والتقدير : ذلك لتعلموا أنّ الله هو الحقّ.
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ * ثانِيَ
عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ
الْحَرِيقِ * ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٨) و (١٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ أتباع شياطين الإنس ذمّ المتبوعين بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً﴾ ودليل واضح ﴿وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ﴾ ووحي موضح للحّق.
وقيل : إنّ الآية السابقة نزلت في النضر بن الحارث ، وهذه الآية نزلت في أبي جهل (١) .
وعن ابن عباس : هذه الآية أيضا نزلت في النّضر (٢) ، ويكون التكرير للمبالغة في الذمّ (٣) .
وقيل : إنّ المراد بالعلم العلم الضروري ، وبالهدى العلم النظري والاستدلالي ، وبالكتاب المنير الدليل السمعي (٤) ، ويحتمل أن يكون المراد بالعلم العلم الكشفي ، وبالهدى البرهان العقلي ، وبالكتاب الوحي السماوي.
ثمّ أنّه تعالى بعد ذّمهم بضلالة أنفسهم ذمّهم بالتكبّر وإضلال الناس بقوله : ﴿ثانِيَ عِطْفِهِ﴾ تكبّرا ، ولاوي عنقه وكتفه تعظّما ، ويكون جداله ﴿لِيُضِلَ﴾ النّاس ويحرفهم ﴿عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ ودين الإسلام.
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ﴾ وهوان وذلّ وفضيحة ﴿وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ﴾ النار ﴿الْحَرِيقِ﴾ أو العذاب المحرق ، ويقال له : ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من الخزي في الدنيا والعذاب الحريق في هذا اليوم هو ما تستحقّه ﴿بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ واكتسبته بسعيك من الكفر والمعاصي ﴿وَ﴾ الأمر ﴿أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ بل هم ظالمون على أنفسهم.
قيل : إنّ ذكر ( ظلّام ) المتضمّن للكثرة في موقع لفظ الظّلم للتنبيه على أنّ قليل الظلم منه تعالى كثير ، أو باعتبار كثرة العبيد (٥) .
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ
فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّ المتجاهرين بالكفر المصرّين عليه ، ذمّ المنافقين المبطنين للكفر المظهرين للإسلام بقوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ﴾ ويتديّن بدينه ﴿عَلى حَرْفٍ﴾ وطرف واحد من الدّين
__________________
(١-٣) تفسير الرازي ٢٣ : ١١.
(٤) تفسير الرازي ٢٣ : ١١.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ١٠.