وهو لسانه ، لا على وسطه وهو قلبه ، وهو كناية عن قلقه واضطرابه في الدين ، فهو كالذي يقوم على طرف الجيش ليسهل عليه الفرار ، إن أحسّ بشرّ فهو لا سكون له ولا طمأنينة ﴿فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ﴾ من سعة (١) وراحة ﴿اطْمَأَنَ﴾ بسبب ذلك الخير وسكن ﴿بِهِ﴾ في الدين ، وثبت على ما كان عليه من الإيمان الظاهريّ اللّساني ﴿وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ وبليّة من شرّ ومكروه يعتريه في نفسه أو أهله أو ماله ﴿انْقَلَبَ﴾ وانصرف ﴿عَلى وَجْهِهِ﴾ وطريقه السابق من الكفر ، ورجع إلى ما كان عليه من الضّلال ﴿خَسِرَ﴾ وفقد ﴿الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ﴾ وذهبتا من يده وتضرّر فيهما بضياع مقصوده في الدنيا من العزّ والسلامة وسائر المنافع والتمتّعات وفوات غرضه في الآخرة من نيل الثواب والسّلامة من العقاب ﴿ذلِكَ﴾ الخسران ﴿هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ﴾ والضّرر الواضح عند العقلاء ، إذ لا خسران أعظم منه.
عن ابن عباس : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على النبيّ صلىاللهعليهوآله بالمدينة مهاجرين من باديتهم ، فكان أحدهم إذا صحّ [ بها ] جسمه ، ونتجت فرسه مهرا حسنا ، وولدت امرأته غلاما ، وكثر ماله وماشيته ، رضي بالدّين واطمئنّ إليه ، وإن أصابه وجع ، وولدت امرأته جارية ، أو أجهضت رماكه (٢) ، وذهب ماله ، وتأخّرت عنه الصدقة ، أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشّرور إلّا بسبب هذا الدّين ، فينقلب عن دينه (٣) .
وقيل : نزلت في المؤلّفة قلوبهم ، منهم : عيينة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، والعبّاس بن مرداس ، قال بعضهم لبعض : ندخل في دين محمّد ، فإن أصبنا خيرا عرفنا أنّه حقّ ، وإن أصبنا غير ذلك عرفنا أنّه باطل (٤) .
وقيل : أسلم رجل من اليهود ، فذهب بصره وماله وولده ، فقال : يا رسول الله أقلني ، فإنّي لم أصب من ديني هذا خيرا ، ذهب بصري وولدي ومالي. فقال صلىاللهعليهوآله : « إنّ الاسلام لا يقال ، إنّ الإسلام ليسبك كما تسبك النار خبث الحديد والذّهب والفضّة » فنزلت هذه الآية (٥) .
عن الباقر عليهالسلام قال : « هم قوم وحّدوا الله ، وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله ، فخرجوا من الشّرك ولم يعرفوا أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله رسول الله ، فهم يعبدون الله على شكّ في محمّد وما جاء به ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله وقالوا : ننظر ، فإن كثرت أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا ، علمنا أنّك صادق ، وأنّك رسول الله ، وإن كان غير ذلك نظرنا. قال الله : ﴿فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ﴾ يعني عافية في الدنيا ﴿وَإِنْ
__________________
(١) في النسخة : وسعة.
(٢) الرماك : جمع رمكة ، وهي الفرس أو البرذونة تتخذ للنسل.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ١٣.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٣ : ١٣.