لم يكن له من ورثة » (١) يعني ورثة المال.
مضافا إلى أنّه سأل الله أن يجعل وارثه مرضيا ، ولو كان المراد من الأرث إرث النبوّة ، كان هذا السؤال مستدركا ولغوا ؛ لأنّ النبيّ لا يكون إلّا مرضيّا ، والقول بأنّ الأنبياء وإن كانوا مرضيّين إلّا أنّ الرضا منهم مفضل عليهم. أو أنّ المراد بالمرضيّ المرضيّ لأمّته لا يتلقّى بالتكذيب والردّ ، أو أنّ المراد أن لا يكون متّهما في شيء ، ولا يوجد فيه مطعن ، ولا ينسب إليه شيء من المعاصي. أو أنّ المراد ثبّته على كونه مرضيّا ، كما قال إبراهيم وإسماعيل : ﴿رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ﴾(٢) أي ثبّتنا (٣) على إسلامنا ، فكلّها خلاف الظاهر ، لا يصار إليه إلّا بدليل معتبر. وليست الرواية المجعولة أو الظنّية على قول العامة قابلة لصرف الآية عن ظاهرها.
﴿يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا * قالَ رَبِّ
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قالَ
كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٧) و (٩)﴾
ثمّ أخبر سبحانه باستجابة دعائه وقال بالإلهام ، أو بتوسّط الملك : ﴿يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ﴾ وولد ذكر (٤) يكون من كرامته عليّ أن سمّيناه قبل ولادته ﴿اسْمُهُ يَحْيى﴾ لأنّه أحيا به عقر امّه ، كما عن ابن عبّاس (٥) . أو لأنّه أحيا قلبه بالإيمان والطاعة (٦) . أو لأنّه استشهد والشّهداء أحياء (٧) . أو لأنّ الدين به يحيا (٨) . أو لأنّه ذابح الكبش الأملح الذي هو صورة الموت في القيامة فيذبحه فيحيا الفريقان (٩) . أو لجميع الوجوه و﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ ولا في الأزمنة السابقة ﴿سَمِيًّا﴾ وموافقا في الاسم ، كما عن ابن عبّاس (١٠) . عن القمي : لم يسمّ باسمه أحد قبله (١١) .
﴿قالَ﴾ زكريّا استعظاما لقدرة الله واستعجابا من وقوع الخارق للعادة : ﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي﴾ وكيف يتولّد منّي ﴿غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً﴾ لم تلد في شبابها ! فكيف وهي الآن عجوز ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ﴾ أنا ﴿مِنَ﴾ أجل ﴿الْكِبَرِ﴾ في السنّ ﴿عِتِيًّا﴾ ومنتهاه.
وإنّما ذكر ذلك للاعتراف بأنّ وجود الولد منه مع كونه شيخا فانيا ، ومن امرأته مع كونها عجوزا
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٤.
(٢) البقرة : ٢ / ١٢٨.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٥.
(٤) في النسخة : ذكور.
(٥ - ٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٦.
(٨) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٧.
(٩) لم نجد رواية في هذا المعنى في تفسير هذه الآية أو في سبب تسمية يحيى عليهالسلام ، لكن وردت عدة روايات وبنفس المضمون دون ذكر اسم يحيى في تفسير الآية ٣٩ من هذه السورة ، وسيأتي بعضها في هذا التفسير ، راجع : (تفسير أبي السعود ٥ : ٢٦٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٣٥ ، تفسير الرازي ٢١ : ٢٢١)
(١٠) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٦.
(١١) تفسير القمي ٢ : ٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٤.