ثمّ عمّم سبحانه النهي عن تنقيص الحقوق سواء أكانت مكيلة أو موزونة ، أو معدودة أو غيرها بقوله : ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ ولا تنقصوا أموالهم وحقوقهم ، [ سواء ] أكان الحقّ عينا كنقص العدد والزرع ، أو كيفية كدفع الرديء مكان الجيّد ، أو سلطنة كمنع المالك عن التصرّف في ملكه بالغصب والسرقة ، أو ذي الحقّ عن استيفاء حقّه ، كمنع الزوجة زوجها عن التمتع بها ، وامتناع الزوج من أداء حقوق زوجته ﴿وَلا تَعْثَوْا﴾ ولا تعتدوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ حال كونكم ﴿مُفْسِدِينَ﴾ كالقتل والغارة ، وقطع الطريق ، وإهلاك الزرع ، وإشاعة الكفر والعصيان. قيل : كان قومه يفعلون جميع ذلك(١).
﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ * قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ *
وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٤) و (١٨٦)﴾
ثمّ حثّهم على إطاعة تلك الأحكام بقوله : ﴿وَاتَّقُوا﴾ الله العظيم القادر ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ بقدرته ﴿وَ﴾ خلق ﴿الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾ والخلائق السابقين فرهّبهم عن العصيان بكمال قدرته ، ورغّبهم في الطاعة ببيان أعظم نعمه من خلقهم وخلق أسلافهم الذين لولاهم لما خلقوا.
ثمّ أنهم بعد استماع البيانات التي لا تصدر إلّا من أعقل الناس ، نسبوه إلى الجنون و﴿قالُوا :﴾ يا شعيب ﴿إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ والمجانين الذين سحرهم الساحرون مرة بعد اخرى حتى زال عقلهم ولذا تقول ما تقول.
ثمّ نفوا عنه قابلية الرسالة (٢) بقولهم : ﴿وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا﴾ وليس لك فضل علينا ، والرسول لا بدّ أن يكون ملكا منزّها من شؤون البشرية ثمّ صرّحوا بتكذيبه الذي هو نتيجة المقدّمتين بقولهم : ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ﴾ في دعواك الرسالة.
﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما
تَعْمَلُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٨٧) و (١٩١)﴾
ثمّ لمّا كان شعيب عليهالسلام يهددهم بالعذاب على تكذيبه وعدم الايمان به ، رتّبوا على تكذيبه طلب نزول العذاب عليهم استهزاء بقولهم : ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً﴾ وقطعة ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ والسّحاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في دعواك ووعيدك بالعذاب.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ١٦٣.
(٢) يريد استحقاقه لها.