وقيل : لمّا خلق الله السماء والأرض والشمس والقمر والكواكب ، وقع الظلّ على الأرض (١) .
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً * وَهُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً *
لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٧) و (٤٩)﴾
ثمّ لمّا كانت الأظلال تتحرّك بحركات الأضواء ، جعل ضوء الشمس كالهادي ، والظلّ كالمهتدي في سلوكه بالضوء ، وقبضه إنّما يكون عند قيام الساعة بقبض الأجرام التي يقع الظلّ عليها ، ويكون هذا القبض يسيرا وسهلا على الله ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ﴾ بقدرته وحكمته ﴿لَكُمُ اللَّيْلَ﴾ ساترا بظلامه ، كأنّه يكون ﴿لِباساً﴾ لكم ﴿وَ﴾ جعل ﴿النَّوْمَ﴾ فيه ﴿سُباتاً﴾ وراحة لأبدانكم ، حيث إنّه مستلزم للفراغ من المشاغل والزحمات ، أو موتا كما قال : ﴿هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾(٢) .
﴿وَجَعَلَ النَّهارَ﴾ والوقت الذي ينتشر فيه ضوء الشمس ﴿نُشُوراً﴾ لكم ووقت التفرّق في الأرض لطلب معاشكم وتحصيل رزقكم ، أو وقت القيام من الموت ، فشبّه سبحانه النوم عليه بالموت ، واليقظة بالبعث بعده ، تنبيها على أن النوم واليقظة كما يكونان نعمة عظيمة يكونان انموذج الموت والبعث.
عن لقمان ، أنه قال : يا بني كما تنام فتوقظ ، كذلك تموت فتنشر (٣) ، أو فتحشر (٤) .
﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ﴾ حال كونها ﴿بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ وقدّام المطر النافع الذي فيه حياة كلّ شيء ، ﴿وَأَنْزَلْنا﴾ بقدرتنا ورحمتنا بعد إرسال الرياح ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ المطل ، والسقف المحفوظ ، أو من جهة العلوّ ﴿ماءً طَهُوراً﴾ يتطهّر به من الأحداث والأرجاس والقذارات ، فإن الطهارة نعمة ومنّة زائدة ، حيث إنّ الماء الطهور أنفع وأهنأ ، ويكون إنزاله ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ﴾ بالنبت والزرع والأشجار والأزهار والثّمار ﴿بَلْدَةً﴾ وقطعة من الأرض التي تكون ﴿مَيْتاً﴾ لا نبت فيها ولا عمارة ، ولنشرب ذلك الماء ﴿وَنُسْقِيَهُ﴾ بعضا ﴿مِمَّا خَلَقْنا﴾ أعني ﴿أَنْعاماً وَأَناسِيَ﴾ ومواشي وبشرا ﴿كَثِيراً.﴾
قيل : إنّ المراد بهم أهل البوادي ، فانّهم يعيشون بماء المطر ، ولذا نكّر سبحانه الأنعام والاناسي.
وأمّا أهل المدن والقرى ، فانّهم يقيمون بقرب الأنهار والمنابع ، والوحوش والطيور تبعد في طلب
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٨٩.
(٢) الأنعام : ٦ / ٦٠.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٢٢٢.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ٩٠.