عن الصادق عليهالسلام : « ما عاتب الله نبيّه فهو يعني به من قد مضى في القرآن ، مثل قوله : ﴿وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ﴾ إلى أن قال : عنى بذلك غيره » (١) .
وعن الرضا عليهالسلام ، في حديث المأمون في عصمة الأنبياء حيث سأله عن قوله : ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾(٢) قال : « هذا ممّا نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة ، خاطب الله بذلك نبيه صلىاللهعليهوآله والمراد به امّته ، وكذلك قوله عزوجل : ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾(٣) وقوله : ﴿وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ﴾ الآية»(٤) .
﴿إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً * وَإِنْ
كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً
* سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٥) و (٧٧)﴾
ثمّ هدّد على الركون إلى الكفار بقوله : ﴿إِذاً﴾ والله ﴿لَأَذَقْناكَ﴾ عذابا يكون ﴿ضِعْفَ﴾ العذاب الذي يكون لغيرك ومثليه بهذا العمل في ﴿الْحَياةِ﴾ الدنيا ﴿وَضِعْفَ﴾ ذلك في ﴿الْمَماتِ﴾ لكونك أعرف الخلق بعظمة الله وحقوقه ﴿ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً﴾ ومدافعا عنك.
روى الثعلبي : أنّه لمّا نزلت الآية قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « اللهمّ لا تكلني إلى نفسي ولو طرفة عين»(٥).
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر حيل المشركين في افتتان النبيّ صلىاللهعليهوآله عن تبليغ الوحي والاضرار به في دينه ، ذكر همّهم باخراج النبيّ صلىاللهعليهوآله من مكة والاضرار به في دنياه بقوله : ﴿وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ وليزعجونك ولينزعونك سريعا ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ التي هي وطنك ، وهي مكة ﴿لِيُخْرِجُوكَ مِنْها.﴾
قيل : إنّ أهل مكة شاوروا في إخراج النبيّ صلىاللهعليهوآله منها ، فاتّفق رأيهم على أن يفرطوا في إظهار عداوته وإيذائه حتى يضطرّ إلى الخروج ، فنزلت (٦) .
ثمّ هدّدهم بقوله : ﴿وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ﴾ ولا يمكثون ولا يحيون ﴿خِلافَكَ﴾ وبعد خروجك في الدنيا ﴿إِلَّا﴾ زمانا ﴿قَلِيلاً﴾ ومدّة يسيرة ، وقد كان كذلك ، فانّ الذين توافقوا على إخراجه من مكة واضطرّوه إلى المهاجرة إلى المدينة ، اهلكوا ببدر بعد مدة قليلة ، وذلك الاهلاك كان ﴿سُنَّةَ﴾ الله ودأبه على قانون الحكمة البالغة لأجل ﴿مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا﴾ مع أعدائهم الذين أخرجوهم من بين أظهرهم ﴿وَلا تَجِدُ﴾ يا محمّد ، في شأنك وشأن مخرجيك من أعدائك ﴿لِسُنَّتِنا﴾ وعادتنا القديمة من إهلاكهم ﴿تَحْوِيلاً﴾ وتغييرا.
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ٨٤ / ٢٩ ، الكافي ٢ : ٤٦١ / ١٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٠٩.
(٢) التوبة : ٩ / ٤٣.
(٣) الزمر : ٣٩ / ٦٥.
(٤) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٠٢ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٠٨.
(٥ و٦) تفسير روح البيان ٥ : ١٩٠.