غدا ، واليوم خمس عشرة ليلة ، فشقّ ذلك عليه صلىاللهعليهوآله ، ثمّ جاء جبرئيل من عند الله بسورة أصحاب الكهف ، وفيها معاتبة الله إيّاه على حزنه عليهم ، وخبر أولئك الفتية ، وخبر الرجل الطوّاف (١) .
والقمي عن الصادق عليهالسلام : « كان سبب نزول سورة كهف أنّ قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران : النضّر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل السّهمي ، ليتعلّموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فخرجوا إلى نجران ، إلى علماء اليهود ، فسألوهم فقالوا : سلوه عن ثلاث مسائل ، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق.
ثمّ سلوه عن مسألة واحدة ، فإن ادّعى علمها فهو كاذب ، قالوا : وما هذه المسائل ؟ قالوا : سلوه عن فتية كانوا في الزّمن الأوّل ، فخرجوا وغابوا وناموا ، كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا ؟ وكم كان عددهم ؟ وأيّ شيء كان معهم من غيرهم ؟ وما كان قصّتهم ؟ واسألوه عن موسى حين أمره الله تعالى أن يتّبع العالم ويتعلّم منه من هو ؟ وكيف تبعه ؟ وما كان قصّته معه ؟ واسألوه عن طائف طاف مغرب الشّمس ومطلعها حتى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج ، من هو ؟ وكيف كان قصّته ؟ ثمّ أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل ، وقالوا لهم : إن أجابكم بما أملينا عليكم فهو صادق ، وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدّقوه. قالوا : فما المسألة الرابعة ؟ قالوا : سلوه متى تقوم الساعة ؟ فإن ادّعى علمها فهو كاذب ، فإنّ قيام الساعة لا يعلمه إلّا الله تبارك وتعالى.
فرجعوا إلى مكة ، واجتمعوا إلى أبي طالب ، فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك يدّعي أنّ خبر السماء يأتيه ، ونحن نسأله عن مسائل ، فإن أجابنا عنها علمنا أنّه صادق ، وأن لم يخبرنا علمنا أنّه كاذب ، فقال أبو طالب : سلوه عمّا بدا لكم. فسألوه عن الثلاث مسائل.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : غدا أخبركم ، ولم يستثن ، فاحتبس الوحي عليه أربعين يوما حتى اغتمّ النبي صلىاللهعليهوآله وشكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به ، وفرحت قريش واستزؤوا به وآذوه ، وحزن أبو طالب ، فلمّا كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل بسورة الكهف.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا جبرئيل ، لقد أبطأت ؟ فقال : إنّا لا نقدر أن ننزل إلّا بإذن الله تعالى ، فأنزل الله عزوجل : ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ﴾ الخبر (٢) .
﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا
رَشَداً * فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٨٢.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢.