الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ
آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٠) و (١٣)﴾
قصة أصحاب الكهف
ثمّ حكى سبحانه قصّتهم بقوله : ﴿إِذْ أَوَى﴾ والتقدير : أذكر إذ أوى والتجأ ﴿الْفِتْيَةُ﴾ الذين كانوا من أشراف بلدة أفسوس ( من بلاد الروم ) وأبناء أشرافها بعدما أكرههم دقيانوس أو طغيانوس ( ملك الروم ) على الشّرك وعبادة الأصنام ، فأبوا عن ذلك وهربوا منه ﴿إِلَى الْكَهْفِ﴾ والغار الواسع الذي كان في جبل كان بنواحي بلدتهم يقال له : ينجلوس (١) على ما قيل (٢) ، فاختفوا من خوف القتل فيه ، فاشتغلوا فيه بالعبادة والمناجاة ﴿فَقالُوا﴾ تضرّعا إلى الله : ﴿رَبَّنا﴾ أي مليك أمرنا ﴿آتِنا﴾ وأعطنا ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ ومن خزائن رحمتك الواسعة العامة ﴿رَحْمَةً﴾ خاصّة من المغفرة ، والأمن من الأعداء ، والسلامة في الدين ، والسّعة في الرّزق ﴿وَهَيِّئْ﴾ وأصلح وأتمم ﴿لَنا﴾ بلطفك ﴿مِنْ أَمْرِنا﴾ الذي نحن فيه من هجر الوطن المألوف ، والفرار من الكفّار ، والقيام لطاعتك ، والاهتمام بتحصيل رضاك ﴿رَشَداً﴾ ووصولا إلى أعلى المقاصد ، من الاهتداء إليك والتقرّب لديك ، فاستجبنا دعاءهم ﴿فَضَرَبْنا﴾ حجابا من النوم ﴿عَلَى آذانِهِمْ﴾ يمنعها من سماع الأصوات : فناموا جميعا ﴿فِي﴾ ذلك ﴿الْكَهْفِ﴾ واستراحوا فيه ﴿سِنِينَ﴾ كثيرة ، كانت تعدّ ﴿عَدَداً﴾ معينا ﴿ثُمَّ بَعَثْناهُمْ﴾ وأيقظناهم من نومهم المشابه للموت ﴿لِنَعْلَمَ﴾ ونختبر ﴿أَيُّ الْحِزْبَيْنِ﴾ والفريقين المختلفين في مدّة لبثهم في النوم ﴿أَحْصى﴾ وأضبط ﴿لِما لَبِثُوا﴾ وبقوا في النوم ﴿أَمَداً﴾ وزمانا ، أو غاية لزمان بعثهم.
عن ابن عبّاس : المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك ، فالملوك حزب ، وأصحاب الكهف حزب (٣) .
وقيل : الحزبان من الفتية ، لأنهم اختلفوا بعد انتباههم في أنّهم كم ناموا ؟ (٤)
وقيل : إنّهما المسلمون ، فإنّهم اختلفوا (٥) في مدّة لبث أصحاب الكهف (٦) .
ثمّ بيّن سبحانه سبب التجائهم إلى الكهف ، وسؤالهم الرشد بقوله : ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ ونبيّن لك خبر أصحاب الكهف و﴿نَبَأَهُمْ﴾ حال كون ذلك النبأ مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ ودلائل الصدق ، من إعجاز البيان ، ومطابقته للكتب ، أو متلبّسا بالمطابقة للواقع من غير زيادة ونقصان ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ وشبّان
__________________
(١) ينجلوس : اسم الجبل الذي فيه أصحاب الكهف.
(٢) بحار الأنوار ١٤ : ٤٣٢.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢١ : ٨٤.
(٥) في تفسير الرازي : قال الفراء : إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ٨٤.