على وقت معيّن ، أو على مقدار معيّن من عمرك ، وهو أربعون سنة ﴿يا مُوسى﴾ وإنّما كرّر نداءه لإظهار غاية لطفه به ، وانتهاء ذكر منّته في المرّة الاخرى.
﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي * اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي * اذْهَبا
إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤١) و (٤٤)﴾
ثمّ صرّح بإجابة مسؤوله الأهمّ بقوله : ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ واصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي ، وأكرمتك بأعظم كراماتي ، أو اخترتك لتتصرّف على عادتي ، وتشتغل بأمري من تبليغ الرسالة ، وتتقلّب لوجهي لا لنفسك ولا لغيري ﴿اذْهَبْ﴾ يا موسى ﴿أَنْتَ وَأَخُوكَ﴾ معا حسب استدعائك إلى فرعون متمسّكين ﴿بِآياتِي﴾ والمعجزات التي أعطيتك بقدرتي ﴿وَلا تَنِيا﴾ ولا تفترا ﴿فِي ذِكْرِي﴾ وثنائي بما يليق بعظمتي وجلالي في حال ووقت ، فإنّه بذكر الله تطمئنّ القلوب.
وقيل : يعني لا تفترا في تبليغ رسالتي (١) ، أو لا تنسياني حيثما تقلّبتما ، واستمدّا بذكري واسألاني به العون والتأييد (٢) .
ثمّ أكّد سبحانه الأمر بذهابهما وقيامها بوظيفة الرسالة بقوله : ﴿اذْهَبا﴾ معا ﴿إِلى فِرْعَوْنَ﴾ وادعواه إلى توحيدي وعبادتي ﴿إِنَّهُ طَغى﴾ وتجاوز عن حدّ العبوديّة بدعوى الالوهيّة.
قيل : إنّ الخطاب مع غيبة هارون على التغليب (٣) ، أو كان بعد اجتماعهما (٤) .
روي أنّه تعالى لمّا نادى موسى عليهالسلام بالواد المقدّس ، وأرسله إلى فرعون ، وأعطاه سؤله ، انطلق من ذلك الموضع إلى فرعون ، وشيّعته الملائكة يصافحونه ، وخلّف أهله في الموضع الذي تركهم فيه ، فبقوا فيه ينتظرونه ليلا ونهارا ، فلم يجدوا منه خبرا ، فلم يزالوا مقيمين متحيّرين حتى مرّ بهم راع من أهل مدين فعرفهم ، فحملهم إلى شعيب ، فمكثوا عنده حتى بلغهم خبر موسى بعد ما جاوز بنو إسرائيل البحر وغرق فرعون وقومه ، فبعث بهم شعيب إلى موسى عليهالسلام (٥) .
ثمّ أنّه تعالى بعد الأمر بذهابهما إلى فرعون ، وبيان شدّة طغيانه ، علّمهما كيفيّة دعوته ليسلما من شرّه بقوله : ﴿فَقُولا لَهُ﴾ بعد ملاقاته ﴿قَوْلاً لَيِّناً﴾ وكلاما رقيقا لا خشونة فيه ولا تعنيف ، كقوله : هل لك أن تزكّى ، وأهديك إلى ربّك ، فإنّه دعوة بصورة المشورة ، أو كلاما فيه حسن الأدب كالخطاب بالكنى والألقاب دون الاسم ، وقيل : يعني عداه شبابا لا هرم له ، وبقاء لذّة المطعم والمشرب والنّكاح ،
__________________
(١ و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٧.
(٣ و٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٨٨.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٣٨٧.