محمّد ، كيف تكون الجبال يوم القيامة ؟ (١) فأمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يجيبهم بقوله : ﴿فَقُلْ﴾ في جوابهم ﴿يَنْسِفُها﴾ ويذرّها ﴿رَبِّي﴾ في ذلك اليوم ﴿نَسْفاً﴾ وذرّا عجيبا بأن يجعلها هباء منثورا. وقيل : يعني يذهبها ويطيّرها (٢) ويقلعها.
عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه سئل كيف تكون الجبال مع عظمها يوم القيامة ؟ فقال : « إنّ الله يسوقها بأن يجعلها كالرّمال ، ثمّ يرسل عليها الرياح فتفرّقها » (٣) .
﴿فَيَذَرُها﴾ ويترك مراكزها ومحالّها حال كونها ﴿قاعاً﴾ ومكانا خاليا و﴿صَفْصَفاً﴾ ومستويا بحيث ﴿لا تَرى﴾ يا محمّد ، مع قوة بصرك وبصيرتك ، أو أيّها الرائي ﴿فِيها عِوَجاً﴾ وانخفاضا ﴿وَلا أَمْتاً﴾ وارتفاعا يسيرا ، وهذا تأكيد غاية استواء الأرض ، ودفع توّهم اجتماع فتاتها في موضع آخر.
وقيل : إنّ الأمت الانخفاض والارتفاع (٤) .
القمي : القاع : الذي لا تراب فيه ، والصّفصف : الذي لا نبات له (٥) ، والعوج : الحزون ، والأمت : الإرتفاع (٦) .
وقيل : الأحوال الثلاثة مرتّبة ، فالأوّلان باعتبار الإحساس ، والثالث باعتبار المقياس ، ولذلك ذكر العوج بالكسر ، ويخصّ المعاني (٧) ، فإنّ الاعوجاج الذي لا يدرك بالبصر ويدرك بالمقياس ملحق بالمعاني.
﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ
هَمْساً * يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ
قَوْلاً (١٠٨) و (١٠٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان استواء الأرض بحيث لا يغيب أحد عن أحد ، بيّن كيفيّة الحشر بقوله : ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ﴾ الّذي يدعوهم إلى المحشر ، وهو إسرافيل بالنفخة الثانية ، أو ملك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي ويقول : أيّتها العظام النّخرة والأوصال المتفرّقة واللحوم الممزّقة ، قومى إلى ربّك للحساب والجزاء ، فيسمعون صوت الداعي ، فيقبلون من كلّ جانب إلى جهته ﴿لا عِوَجَ لَهُ﴾ ولا عدول عنه ، لعدم ما يوجب التعويج في الأرض ، ولا ما يمنع النفوذ للصّوت على السواء ، فيتّبعون الصوت من غير انحراف ﴿وَخَشَعَتِ﴾ وخفظت ﴿الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ﴾ من شدّة الفزع مع سعة
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١١٧.
(٣) مجمع البيان ٧ : ٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٠.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٠.
(٦) تفسير القمي ٢ : ٦٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٠.
(٧) تفسير الصافي ٣ : ٣٢٠ ، وفي النسخة : بالمعاني.