﴿ظُلْماً﴾ على أنفسهم ﴿وَعُلُوًّا﴾ وطلبا للرفعة بين الناس ، أو استكبارا من الايمان بموسى عليهالسلام.
قيل : كان ظهور استيقانهم من استغاثتهم بموسى عليهالسلام عند نزول كلّ آية في كشفها فكشفها عنهم (١) .
﴿فَانْظُرْ﴾ يا نبي الرحمة ، أو أيّها الناظر العاقل ﴿كَيْفَ كانَ﴾ وإلى ما صار ﴿عاقِبَةُ﴾ أمر ﴿الْمُفْسِدِينَ﴾ في الأرض ، وما كان نتيجة إفسادهم ، كان إغراقهم في الدنيا في الماء ، وإحراقهم في الآخرة بالنار.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ
عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان تفضّله على موسى عليهالسلام بإعطائه الآيات التسع ، وتخصيصه بمناجاته معه ، ذكر تفضّله على داود وسليمان بالعلم بقوله : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً﴾ شريفا عزيزا لائقا بهما ، وهي معرفة كاملة بربّهما وبحقائق الأشياء وبالأحكام الشرعية ، فشكرا ذلك ﴿وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا﴾ بما آتانا من العلم ﴿عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين هم أفضل مخلوقاته.
أقول : فيه دلالة واضحة على كون العلم أفضل الكمالات الدنيوية والاخروية.
﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦)﴾
ثمّ شرع سبحانه في بيان ما خصّ به سليمان من الفضائل والنّعم بقوله : ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ﴾ أباه ﴿داوُدَ﴾ ماله وملكه ونبوّته. وقال بعض مفسري العامة : المراد إرث المال (٢) . وعن بعضهم : إرث الملك والسياسة (٣) . وعن الحسن وكثير منهم : إرث المال والملك ، وهو مروي عن أهل البيت عليهمالسلام (٤) ، ولا يردّه الحديث الموضوع « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة » كما زعمه الفخر الرازي (٥) وغيره من العامة (٦) ، بل تردّ الآية الرواية المذكورة ، لكونها مخالفة لكتاب الله ، كما استدلّت فاطمة عليهاالسلام على بطلان الرواية بهذه الآية ونظائرها (٧) . نعم يمكن إرادة المال والملك والنبوّة كما فسرّناها أولا بطريق عموم المجاز.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٣٢٤.
(٢و٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١٨٦.
(٤) مجمع البيان ٧ : ٣٣٤.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٨٦.
(٦) تفسير القرطبي ١٣ : ١٦٤.
(٧) راجع : بلاغات النساء : ٢٦ ، الطرائف : ٢٦٥ ، كشف الغمة ١ : ٤٨٨ ، الاحتجاج : ١٠٢.