أقول : نسب الواحدي هذا القول إلى جميع المفسّرين (١) .
وقيل : إنّ المقصود من قوله : ﴿لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً﴾ أنّه كامل في نفسه ، ومن قوله : ﴿قَيِّماً﴾ أنّه قائم بامور غيره ومكمّل للناس ، ومن المعلوم أنّ كماله في نفسه مقدّم بالطبع على مكمّليته لغيره ، فالترتيب المذكورة موافق للعقل (٢) .
وقيل : إنّ المعنى : ولم يجعل لعبده عوجا وتوجّها إلى غير ذاته المقدّسة ، بل جعله مستقيما في جميع أحواله (٣) .
ثمّ بيّن سبحانه الغرض من إنزاله بقوله : ﴿لِيُنْذِرَ﴾ الذّين كفروا وعملوا السيّئات ﴿بَأْساً﴾ وعذابا ﴿شَدِيداً﴾ صادرا ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾ تعالى من عذاب الاستئصال في الدنيا ، أو العقوبة بالنّار في الآخرة ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بوحدانيّة الله ورسالة رسوله وصدق كتابه ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ والعبادات الخالصات لوجه الله ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ في مقابل إيمانهم وأعمالهم ﴿أَجْراً حَسَناً﴾ من الجنّة والنّعيم الدّائمة حال كونهم مقيمين في ذلك الأجر ﴿ماكِثِينَ﴾ وباقين ﴿فِيهِ أَبَداً﴾ لا زوال له ولا نفاد له ﴿وَيُنْذِرَ﴾ بالخصوص ، أكفر الكفرة وأجهلهم ؛ وهم المشركون ﴿الَّذِينَ قالُوا﴾ واعتقدوا أنّه ﴿اتَّخَذَ اللهُ﴾ واختار لنفسه ﴿وَلَداً﴾ ذكورا ، كاليهود القائلين بأنّ العزيز ابن الله ، والنّصارى القائلين بأنّ المسيح ابن الله ، أو إناثا ، كبني مدلج القائلين بأنّ الملائكة بنات الله.
والحال أنّ القائلين بهذا القول السخيف ﴿ما لَهُمْ بِهِ﴾ أقلّ مرتبة ﴿مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ﴾ الذين قلّدوهم في ذلك ، بل قالوا به بمحض الجهل ، وهوى النفس ، وعدم التفكّر في كونه ما لا يحتمله العاقل ﴿كَبُرَتْ﴾ وعظمت تلك المقالة من حيث كونها ﴿كَلِمَةً﴾ باطلة ومقالة فاسدة في غاية القباحة والشّناعة ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ﴾ جرأة على الله.
وقيل : إنّ فيه معنى التعجّب ، والمراد : ما أكبرها كلمة (٤) ومقالة ! ﴿إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً﴾ فظيعا.
﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً * إِنَّا جَعَلْنا
ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها
صَعِيداً جُرُزاً (٦) و (٨)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه فضيلة القرآن ، وغاية جهل المشركين وشدّة حمقهم الموجبة لتأثّر قلب
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٧٥.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٧٥.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٥.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٧٨.