النبيّ صلىاللهعليهوآله وحزنه ، سلّاه سبحانه بقوله : ﴿فَلَعَلَّكَ باخِعٌ﴾ وقاتل أو متعب ﴿نَفْسَكَ﴾ الشريفة ﴿عَلى آثارِهِمْ﴾ ومفارقتهم حين فارقوك ، أو للتحسّر عليهم ﴿إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا﴾ القرآن الّذي هو أحسن ﴿الْحَدِيثِ﴾ وأفضل الكتب ، لأجل أنّك تأسف ﴿أَسَفاً﴾ وتحزن حزنا شديدا.
وحاصل المراد أنّه تعالى شبّه حال نبيه صلىاللهعليهوآله في شفقته ورحمته على الأمّة بمن يتوقّع منه إهلاك نفسه من شدّة الحزن على مفارقة الأحبّة ، فسلّاه بأنّه لا يعظم حزنك بسبب كفرهم ، فإنّه ليس عليك إلّا الإنذار والتبشير ، لا إيجاد الإيمان في قلوبهم ، وإنّما المقصود من إرسال الرسل ، وجعل التكاليف ، والإنذار والتبشير ، امتحان الخلق وتميّز النفوس الطيّبة من النفوس الخبيثة ، فعامل معهم بالمداراة والإمتحان كما نعامل معهم (١) .
﴿إِنَّا جَعَلْنا﴾ وخلقنا ﴿ما عَلَى الْأَرْضِ﴾ من المعادن ، والنباتات ، والحيوانات ، لأجل أن يكون ﴿زِينَةً لَها﴾ ولأهلها ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ ونمتحنهم ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ وأخلص عبادة ، وأزهد في الدنيا ، وأقنع بالكفاف منها ، وأيّهم أقبح عملا ، وأرغب في الدنيا ، وأحرص على جمع زخارفها.
ثمّ أنّهم يكفرون ويتمرّدون ، ومع ذلك لا أقطع عنهم النّعم ، وأداري بهم (٢) ، فأنت يا محمّد أيضا دار بهم ولا تترك - لحزنك على كفرهم ولجاجهم - دعوتهم إلى الحقّ ﴿وَإِنَّا﴾ بعد انقضاء الدنيا والله ﴿لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً﴾ وأرضا بلا نبات ، كما عن الباقر عليهالسلام ، أو خرابا ، كما عن القمي (٣).
وعن السجّاد عليهالسلام : « أنّ الله لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم أيّهم أحسن عملا » (٤) .
﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩)﴾
ذكر أصحاب الرقيم
ثمّ استشهد على غاية لطفه بالمؤمنين المعرضين عن الدنيا طلبا للآخرة بقصّة أصحاب الكهف فقال : ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ﴾ وساكني الغار الواسع في الجبل ﴿وَالرَّقِيمِ﴾ قيل : هو اسم كلبهم ، أو اسم قريتهم ، أو جبلهم ، أو الوادي الذي كان الجبل فيه ، أو اللّوح الذي كتب فيه أسماؤهم ونسبهم وترجمة أحوالهم (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام « هم قوم فقدوا ، وكتب ملك تلك الديار بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في
__________________
(١) كذا ، والظاهر : فعاملهم بالمداراة والامتحان كما نعاملهم.
(٢) كذا ، والظاهر : وأداريهم.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣١.
(٤) الكافي ٨ : ٧٥ / ٢٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣١.
(٥) تفسير البيضاوي ٢ : ٤ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٠٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢١٨.