في تفسير سورة النور
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ
اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت السورة المباركة المتضمّنة لاثبات التوحيد والمعاد وإبطال الشّرك ، والمفتتحة بالوعد بالفلاع بالمؤمنين المختتمة بسلبه عن الكافرين وحثّ العباد على العمل بأحكام الله وإيجاب حفظ الفرج عن الحرام ، نظمت سورة النور المشتملة على تأكيد تلك المطالب العالية ، وبيان حرمة الزنا ، وتزويج المشركات والمشركين ، وإيجاب حدّ الزاني والزانية ، وحكم رمي الزوج زوجته بالزنا ، ورمي الأجنبي الأجنبية المحصنة به ، ووجوب التعفّف عليهنّ ، وغير ذلك من أحكام النساء ، ولذا روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال في رواية : « وعلموهنّ سورة النور والمغزل » (١) . فافتتحها سبحانه بذكر أسمائه الحسنى على حسب دأبه ورسمة سبحانه في الكتاب الكريم بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.﴾
ثمّ مدح سبحانه السورة وعظّمها بقوله : ﴿سُورَةٌ﴾ قيل : إنّ التقدير هذه سورة (٢) . وقيل : لمّا أمر في آخر السورة السابقة بسؤال الرحمة ، أجابه بأن من رحمتنا عليك سورة عظيمة الشأن ، وقطعة كريمة من القرآن الكريم (٣) ، نحن ﴿أَنْزَلْناها﴾ عليك من اللّوح المحفوظ بتوسّط أمين الوحي ﴿وَفَرَضْناها﴾ وأوجبنا العمل بما فيها من الأحكام ﴿وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ واضحات الدلالات على الأحكام ، وما فيها من المطالب العالية ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وتستحضرون مضامينها ، أو المراد كي تتعظوا وتتقوا المحارم.
__________________
(١) مجمع البيان ٧ : ١٩٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٩.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١١٣.