لَخاسِرُونَ (٣١) و (٣٤)﴾
ثمّ ذكر سبحانه قصّة هود وقومه ازديادا للعبرة بقوله : ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنا﴾ وخلقنا ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ﴾ وهم قوم عاد ، كما عن ابن عباس وجماعة (١) ، لأنّهم بعد قوم نوح. وقيل : هم ثمود لأنّهم الذين هلكوا بالصّيحة (٢) ﴿فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً﴾ كان ﴿مِنْهُمْ﴾ نسبا ، فدعاهم إلى التّوحيد أوّلا بقوله : ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ وحده لأنّه ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ ومستحقّ للعبادة سواه ﴿أَ فَلا تَتَّقُونَ﴾ ربّكم ولا تخافون عذابه على الشّرك.
﴿وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ﴾ والكبراء والأشراف من قبيلته ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله ﴿وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ﴾ الله ودار ﴿الْآخِرَةِ﴾ والبعث للجزاء ﴿وَأَتْرَفْناهُمْ﴾ وأكثرنا عليهم نعمنا ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ ومدّة أعمارهم فيها إلقاء للشّبهة في قلوب أتباعهم وإضلالهم : ما هذا الرّجل المدّعي للرّسالة ﴿إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ في الأخلاق والأفعال والحاجة إلى الغذاء والشّراب لما ترون أنّه ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ﴾ من الأطعمة ﴿وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ منه من الأشربة ، فلا فضيلة له عليكم يستحقّ بها الرّسالة دونكم ﴿وَ﴾ والله ﴿لَئِنْ أَطَعْتُمْ﴾ واتّبعتم ﴿بَشَراً﴾ فيما يقول مع كونه ﴿مِثْلَكُمْ﴾ في الفضل ﴿إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ ومتضرّرون باتّباعه لإذلالكم أنفسكم له بلا نفع عائد إليكم.
﴿أَ يَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهاتَ هَيْهاتَ
لِما تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ
هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ * قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما
كَذَّبُونِ * قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ
فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٣٥) و (٤١)﴾
ثمّ بالغوا في تنفير النّاس عن اتّباعه بتسفيهه وتهجين قوله بالبعث بقولهم : ﴿أَ يَعِدُكُمْ﴾ يا قوم ﴿أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ﴾ واقبرتم ﴿وَكُنْتُمْ﴾ في قبوركم بعد مدّة طويلة ﴿تُراباً وَ﴾ قبل ذلك ﴿عِظاماً﴾ نخرة مجرّدة عن اللّحم والعصب ﴿أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ من قبوركم أحياء كما كنتم ﴿هَيْهاتَ هَيْهاتَ﴾ وبعد بعد في العقل والعادة ﴿لِما تُوعَدُونَ﴾ من الإحياء ثانيا بتلك الأبدان الأولية ، لا يكون ذلك أبدا.
قيل : لمّا استبعدوا بكلمة ﴿هَيْهاتَ﴾ كأنّه قيل : لما استبعادكم ؟ قيل : لما توعدون (٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٩٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ٨١.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٩٧.
(٣) تفسير البيضاوي ٢ : ١٠٤ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١٣٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٨٢.