﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ * إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ * قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً
فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ * قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ
* قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ * قالَ أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ
وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ
يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي
يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٦٩) و (٨٢)﴾
ثمّ اردف قصة إبراهيم بقصة موسى ، ليعرف حبيبه أنّ حزن جدّه كان أشدّ من حزنه بقوله : ﴿وَاتْلُ﴾ يا محمّد ﴿عَلَيْهِمْ﴾ على مشركي قومك ، واقرأ من كتاب ربك ﴿نَبَأَ﴾ أبيهم ﴿إِبْراهِيمَ﴾ الذي يفتخرون بكونهم أولاده ، ويستظهرون بأنّهم من نسله ﴿إِذْ قالَ﴾ موعظة وإرشادا ﴿لِأَبِيهِ﴾ المجازي ، وكان في الحقيقة عمّه الذي ربّاه ، أو زوج امّه ﴿وَقَوْمِهِ﴾ الذين بعث فيهم من الرجال ، والذين كانوا في بلدة بابل التي ينسب إليها السّحرة إنكارا عليهم عبادة الأصنام ، أو سؤالا مع علمه بالمسؤول عنه توطئة لتنبيههم على ضلالهم : يا قوم ﴿ما تَعْبُدُونَ﴾ وأيّ شيء له تخضعون خضوع المخلوق لخالقه ؟
﴿قالُوا﴾ جوابا له : ﴿نَعْبُدُ أَصْناماً﴾ وتماثيل من الفلزات والحجر والخشب. قيل : إنّها كانت اثنين وسبعين (١)﴿فَنَظَلُ﴾ ونشتغل في نهارنا بالتعظيم ﴿لَها﴾ أو نداوم على عبادتها حال كوننا ﴿عاكِفِينَ﴾ وملازمين لهذ الشّغل ومقبلين عليه.
عن ابن عباس : عاكفين مفتخرين بالأصنام (٢) . قيل : إنّ إبراهيم لمّا خرج من الغار ودخل مصر أراد أن يعلم دين أهله ، فلمّا سمع جوابهم (٣) ﴿قالَ﴾ تنبيها على فساد مذهبهم : ﴿هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾ ويدركون دعاءكم ويستجيبون مسألتكم ؟ ﴿إِذْ تَدْعُونَ﴾ وحين تسألون حوائجكم ﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ﴾ على عبادتكم لهم ﴿أَوْ يَضُرُّونَ﴾ كم إن تركتم عبادتها ؟ فانّ العاقل لا يعمل عملا إلّا لجلب المنفعة ، أو دفع الضرر ، فلمّا عجزوا عن إقامة البرهان على صحة عملهم ودفع اعتراض إبراهيم عليهم ، تمسّكوا بالتقليد ، و﴿قالُوا :﴾ لا ما رأينا منهم شيئا من السمع والنفع والضر ﴿بَلْ وَجَدْنا آباءَنا﴾ وكبراءنا ﴿كَذلِكَ﴾ الفعل الذي نحن نفعل كانوا ﴿يَفْعَلُونَ﴾ ومثل هذه العبادة كانوا يعبدون ، وهم لمّا كانوا أعقل وأبصر منّا اقتديا بهم وقلدناهم في رأيهم و﴿قالَ﴾ إبراهيم تقريرا لهم وتبرّئا من عملهم :
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨١.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٤٢ ، ولم ينسب إلى ابن عباس.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨١.