أصحابه وآخر من خرج من أصحاب موسى - أمر الله عزوجل الرياح فضربت البحر بعضه ببعض ، فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال ، فقال فرعون عند ذلك : ﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ﴾ الخبر (١) .
وعنه عليهالسلام « أنّ قوما ممّن آمن بموسى عليهالسلام قالوا : لو أتينا عسكر فرعون وكنّا فيه ونلنا من دنياه ، فاذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى عليهالسلام ، صرنا إليه ، ففعلوا فلمّا توجّه موسى عليهالسلام ومن معه [ إلى البحر ] هاربين من فرعون ، ركبوا دوابهم ، وأسرعوا في السير ليلحقوا بموسى عليهالسلام وعسكره فيكونوا معهم ، فبعث الله عزوجل ملكا فضرب وجوه دوابّهم ، فردّهم إلى عسكر فرعون ، فكانوا في من غرق مع فرعون (٢) .
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من معاجز موسى عليهالسلام ، وغلبته على فرعون ، وإنجائه من الغرق وإهلاك أعدائه ﴿لَآيَةً﴾ ظاهرة ودلالة واضحة على وحدانية الله وكمال قدرته وحكمته ، وعبرة عظيمة للمعتبرين ممّن شاهد الوقائع ، ومن جاء بعدهم إلى يوم القيامة وسمعوهان فيدخل فيهم قريش الذين سمعوها من النبي صلىاللهعليهوآله الذي كان اميا لم يسمعها من أحد ولم يقرأها في كتاب ، ولذا كان إخباره بها من الإخبار بالمغيبات ، ومن أظهر المعجزات ، ﴿وَ﴾ مع ذلك ﴿ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ.﴾
وقيل : إنّ ضمير الجمع راجع إلى القبط ، وما آمن منهم إلّا خربيل أو حزقيل مؤمن آل فرعون ، وآسية زوجه فرعون ، ومريم بنت موشا (٣) التي دلّت على عظام يوسف حين خروج موسى من مصر (٤).
وقيل : إنّه راجع إلى عموم المصريين (٥) ، أمّا القبط منهم ، فلمّا ذكر ، وأمّا بنو إسرائيل فلقولهم حين عبورهم على عبدة العجل : ﴿يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ﴾(٦) .
وقيل : راجع إلى قوم نبينا الذين سمعوا منه قصة موسى وفرعون ، لعدم تدبّرهم فيها واعتبارهم بها حتى يحذروا من أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم فرعون (٧) .
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب عى ما أراد من تعذيب المكذبين ﴿الرَّحِيمُ﴾ بهم حيث يمهلهم ولا يعجّل في عقوبتهم ، أو بالمؤمنين. وفي الآيتين تسلية للنبي حيث إنّه كان يغتّم قلبه الشريف بتكذيب قومه مع ظهور معجزاته ، وعرّفه محنة موسى حتى يصبر كما صبر.
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٢١ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٨ ، والآية من سورة يونس : ١٠ / ٩٠.
(٢) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٣٩.
(٣) في تفسير أبي السعود : يا موشا ، وفي تفسير روح البيان : ناموشا.
(٤و٥) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٤٦ ، تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٠.
(٦) الاعراف : ٧ / ١٣٨.
(٧) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٠.