الله تبارك وتعالى بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله رحمة ، وبعث القائم نقمة » (١) .
﴿قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ
آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ
الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى
حِينٍ (١٠٨) و (١١١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ بعثة محمّد صلىاللهعليهوآله كانت رحمة للعالمين ، وكان من آثار رحمته دعوة الناس إلى التوحيد الموجب لكمال سعادة الدارين ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالدعوة إليه بألطف بيان وأبلغه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿إِنَّما يُوحى إِلَيَ﴾ من ربّي ﴿أَنَّما إِلهُكُمْ﴾ ومعبودكم المستحقّ للعبادة ﴿إِلهٌ﴾ ومعبود ﴿واحِدٌ﴾ لا إله غيره ، فبعد ما أخبرتكم بذلك مع دلالة المعجزات على صدقي ، وبيّنت لكم الحجج القاطعة والبراهين الساطعة عليه وعلى بطلان الشّرك ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ﴾ أيّها المشركون ﴿مُسْلِمُونَ﴾ له ، ومخصّصون عبادتكم به ، أم تصرّون على ما أنتم عليه من الشّرك وعبادة الأصنام ؟
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ وأعرضوا عن قولك ، ولم يعتنوا إلى دعوتك ﴿فَقُلْ﴾ لهم إنذارا : إنّي ﴿آذَنْتُكُمْ﴾ وأعلمتكم ما أوحي إليّ ولم أقصّر فيه ، أو أنذرتكم عذاب الله على كفركم حال كونكم ﴿عَلى سَواءٍ﴾ في الإعلام والإبلاغ ، بلا فرق بين القريب والبعيد ، والشريف والوضيع ، والغني والفقير ، أو المراد آذنتكم بالحرب على مهل ، ولا أعاجلكم فيه رجاء إسلامكم.
﴿وَإِنْ أَدْرِي﴾ ولا أعلم ﴿أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ﴾ وتنذرون به من القيامة ، أو العذاب الدنيوي ، أو الحرب وغلبة المسلمين ، مع أنّه آت لا محالة ، واعلموا أن الله يعذّبكم على ما تجاهرتم به من الطعن في نبوّتي وكتابي ، والاستهزاء بي ، وما تسرّون من الحسد على ما آتاني من فضله وعداوتكم لي وللمؤمنين ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ﴾ الصادر منكم ﴿وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ﴾ وتسرّون أيّ قول كان وأيّ سرّ ﴿وَإِنْ أَدْرِي﴾ وما أعلم أنّ تأخير تعذيبكم أو إبهام وقته أو تأخير الأمر بجهادكم ، أو ما أدري ما بيّنت وأعلمت (٢)﴿لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ﴾ وامتحان ﴿لَكُمْ﴾ حتى يرى أنّكم تحدثون التوبة وتؤمنون أم لا ، أو بليّة وزيادة عذاب لكم ﴿وَمَتاعٌ﴾ وانتفاع بالحياة الدنيا ونعمها ﴿إِلى حِينٍ﴾ وأجل مقدّر تقتضيه مشيئة الله المبنيّة على الحكمة البالغة.
__________________
(١) علل الشرائع : ٥٧٩ / ١٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٩.
(٢) في النسخة : وأعلم.