أمر السّماء فتفطّرت بالغمام ، ثمّ أمرها فأرخت عزاليها (١) ، ثمّ أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثّمار ، وتفهّقت (٢) بالأنهار ، فكان ذلك رتقها ، وهذا فتقها » (٣) .
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن ذلك فقال : « هو كما وصف نفسه ، كان عرشه على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء لا يحدّ ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات ، فلمّا أراد أن يخلق الأرض أمر الريّاح فضربت الماء حتى صار موجا ، ثمّ أزبد وصار زبدا واحدا ، فجمعه في موضع البيت ، ثمّ جعله جبلا من زبد ، ثم دحا الأرض من تحته ، فقال الله تعالى : ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً﴾(٤) ثمّ مكث الربّ تبارك وتعالى ما شاء ، فلمّا أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها ، فخرج من ذلك الموج والزّبد دخان ساطع من غير نار ، فخلق منه السماء ، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر ، وأجراها في الفلك ، وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر ، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب ، وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ، ولم يكن للأرض أبواب ، وهو النّبت ، ولم تمطر السماء عليها فتنبت ، ففتق السماء بالمطر ، وفتق الأرض بالنّبات ، وذلك قوله : ﴿أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الآية » (٥) .
أقول : رجح القائلون بهذا القول قولهم بقوله تعالى بعد ذلك : ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ﴾ والمعنى ففتقنا السماء لإنزال المطر ، وجعلنا منه كلّ شيء في الأرض من النبات وغيره حيّا.
وقيل : إنّ المراد بالماء النّطفة (٦) : فيكون المراد من كلّ شيء خصوص الحيوان ، لأنّ النبات لا يسمّى حيّا. وفيه منع لإطلاق الحيّ على الأرض ، فضلا عن النّبات.
عن الباقر عليهالسلام : « نسب كلّ شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره » (٧) .
وعن الصادق : أنّه سئل عن طعم الماء فقال : « طعم الماء طعم الحياة ، قال الله تعالى : ﴿وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾(٨) .
ثمّ أنكر عليهم عدم الإيمان بالتّوحيد مع دلالة هذه الآية عليه بقوله : ﴿أَ فَلا يُؤْمِنُونَ﴾ بتوحيد الله.
﴿وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ
__________________
(١) العزالي : جمع عزلاء ، وهو مصبّ الماء من القربة ونحوها ، ويقال : أرسلت السماء عزاليها : انهمرت بالمطر.
(٢) فهق الحوض : امتلأ حتى تصبّب.
(٣) الكافي ٨ : ١٢١ / ٩٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٧.
(٤) آل عمران : ٣ / ٩٦.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٨.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٤٧١.
(٧) الكافي ٨ : ٩٤ / ٦٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٨.
(٨) مجمع البيان ٧ : ٧٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٨.