بالإشراك ، وعلى أنفسهم بتعريضها للهلاك.
في ذكر بدو خلق السماوات والأرض
ثمّ عاد سبحانه إلى الاستدلال على توحيده وتنزيهه من الشّرك بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بتوحيد الله وأشركوا به ولم يعلموا بالتّفكّر والاستفسار من العلماء ومطالعة الكتب ﴿أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ في بدو خلقتهما ﴿كانَتا﴾ شيئا ﴿رَتْقاً﴾ ومنضمّا لا فرجة بينهما ولا فضاء ﴿فَفَتَقْناهُما﴾ وفصلناهما وفرّقنا بينهم.
عن ابن عبّاس وجمع من المفسّرين : أن المعنى : كانتا شيئا واحدا ملتزقين ، ففصل الله بينهما ، فرفع السّماء إلى حيث هي ، وأقرّ الأرض (١) .
وعن كعب : خلق الله السماوات والأرض ملتصقتين ، ثمّ خلق ريحا توسّطتهما ففتقهما بها (٢) .
وقيل : إنّه جاء في التوراة : أنّ الله تعالى خلق جوهرة ثمّ نظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء ، ثمّ خلق السّماوات والأرض منها وفتق بينهما (٣) .
وعن مجاهد : أنّ السّماوات كانت مرتتقة ومتّصلة ، فجعلت سبع سماوات ، وكذلك الأرضون(٤).
وقيل : رتقهما : كونهما معدومين ؛ لأنّه لا تمايز بين الإعدام ، وفتقهما : إيجادهما.
وقيل : رتقهما : اتّصالهما بالظّلمة ، وفتقهما : إظهار النّهار المبصر بينهما (٥) .
وعن ابن عباس وأكثر المفسّرين : أنّ السماوات والأرض كانتا رتقا بالاستواء والصلابة ، ففتق الله السماء بالمطر ، والأرض بالنّبات (٦) .
وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « لعلّك تزعم أنّهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ، ففتقت إحداهما من الاخرى ؟ » فقال : نعم ، فقال : « استغفر ربّك ، فإنّ قول الله عزوجل ﴿كانَتا رَتْقاً﴾ يقول : كانت السّماء رتقا لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحبّ ، فلمّا خلق الله الخلق ، وبثّ فيها من كلّ دابّة ، فتق السماء بالمطر ، والأرض بنبات الحبّ » .
فقال السائل : أشهد أنّك من ولد الأنبياء ، وعلمك علمهم (٧) .
وفي ( الكافي ) عنه عليهالسلام : أنّه سئل عنها ، فقال : « إنّ الله تبارك وتعالى أهبط آدم عليهالسلام إلى الأرض ، وكانت السماء رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا ، فلمّا تاب الله عزوجل على آدم عليهالسلام
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٢ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٦٤.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٢ ، وفيه : وفتق بينها.
(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٢ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٦٤.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٣.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٣ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٦٥.
(٧) الكافي ٨ : ٩٥ / ٦٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٧.