وروي أنّ الحصاة سبّحت في كفّ النبيّ صلىاللهعليهوآله (١) . وفي الحديث : « ما من طير يصاد إلّا بتضييعه التسبيح » (٢) .
أقول : الحقّ أنّ جميع الموجودات لها تسبيح تكويني وتسبيح اختياري ، وإنّما يسمعه من له اذن سامعة كالنبيّ والكمّلين من المؤمنين.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، قال : « إنّي لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن ابعث » (٣) .
ويمكن أن يكون المراد من الآية المباركة كلا التسبيحين بإرادة القدر المشترك ، أو عموم المجاز.
﴿وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً
* وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي
الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٥) * (٤٦)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه آيات توحيده وكمال ذاته ، وذمّ المشركين بعدم فهمهم وتفقّههم لها ، ذمّهم بإعراضهم عن القرآن المبين لمعارفه وللبراهين الدالة على توحيدة ، وتنزّهه عما لا يليق بوجوب وجوده وكمال ذاته ، وعدم فهمهم وتفقّههم ما فيه ، ومعاداتهم للنبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَإِذا قَرَأْتَ﴾ يا محمّد ﴿الْقُرْآنَ﴾ الحاوي للحكم والمعارف ﴿جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ﴾ المشركين ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ والبعث بعد الموت ﴿حِجاباً﴾ وسترا يسترك عنهم حتّى لا يؤذونك ، وكان ذلك الحجاب أيضا ﴿مَسْتُوراً﴾ عن أعينهم ، أو المراد حجابا ذا ستر يسترك عنهم ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ وأغطية كراهة ﴿أَنْ﴾ يفهموا القرآن و﴿يَفْقَهُوهُ﴾ حقّ فهمه وفقهه ، ويعرفوا جهات إعجازه ودلائل صدقه ﴿وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً﴾ وثقلا عن سماعة اللائق به ، قيل : إنّ الآية نزلت في قوم كانوا يؤذون النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا قرأ القرآن على الناس (٤) .
وروي أنّه صلىاللهعليهوآله كان كلّما قرأ القرآن قام عن يمينه رجلان ، وعن يساره آخران من ولد قصيّ ، يصفّقون ويصفرون ويخلّطون عليه بالأشعار (٥) .
وعن أسماء : أنه صلىاللهعليهوآله كان جالسا ومعه أبو بكر ، إذ أقبلت امرأة أبي لهب ومعها فهر (٦) تريد رسول الله صلىاللهعليهوآله وهي تقول :
مذمّما أتيا |
|
و دينه قلينا |
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٤.
(٢) تفسير العياشي ٣ : ٥٤ / ٢٥٢٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٥.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٠.
(٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٠ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٧٦.
(٦) الفهر : الحجر.