وامره عصينا
فقال أبو بكر ، يا رسول الله ، معها فهر ، أخشاها عليك : فتلا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، هذه الآية ، فجاءت فما رأت رسول الله ، وقالت : إنّ قريشا [ قد ] علمت أنّي ابنة سيّدها ، وأنّ صاحبك هجاني(١) .
وروي أنّها نزلت في أبي سفيان والنضير (٢) وأبي جهل وامّ جميل امرأة أبي لهب ، كانوا يؤذون النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا قرأ القرآن ، فحجب الله أبصارهم إذا قرأ ، وكانوا يمرّون به ولا يرونه (٣) .
وقيل : إنّ المشركين كانوا يطلبون موضع النبيّ صلىاللهعليهوآله في الليالي ، لينتهوا إليه ويؤذونه ، ويستدلّون على موضعه باستماع قراءته ، فآمنه الله من شرّهم ، وذكر له أنّه جعل بينه وبينهم حجابا لا يمكنهم الوصول إليه معه ، وبيّن أنّه جعل في قلوبهم ما يشغلهم عن فهم القرآن ، وفي آذانهم ما يمنع من سماع صوته. ويجوز أن يكون ذلك مرضا شاغلا يمنعهم عن المصير إليه (٤) .
وقيل : إنّ القوم لشدّة امتناعهم عن قبول دلائل نبوة محمّد صلىاللهعليهوآله ، صاروا كأنّه حصل بينهم وبين تلك الدلائل حجاب وساتر ، وإنّما نسب [ الله ] سبحانه ذلك الحجاب إلى نفسه ؛ لأنّه لمّا خلّاهم مع أنفسهم وما منعهم عن ذلك الاعراض ، صارت تلك التخلية كأنّها هي السبب لوقوعهم في تلك الحالة(٥).
وقيل : إنّ المراد من القرآن هو الصلاة ، تسمية للكلّ باسم جزئه (٦) .
روي أنّ المشركين كانوا يؤذون النبي عليهالسلام مصلّيا ، وجاءت امّ جميل امرأة أبي لهب بحجر لترضخه فنزلت (٧) .
ثمّ ذمّهم الله بالنّفر عن ذكر الله وحده بقوله : ﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ﴾ بأن سمعوا منك آية فيها ذكر الله وذمّ الشرك ، أو لم تذكر مع اسم الله اسم آلهتهم ﴿وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ﴾ وهربوا ونفروا من استماعه ﴿نُفُوراً﴾ واشمئزازا ، وقيل : إنّ المراد أعرضوا عنك حال كونهم نافرين (٨) .
عن الصادق عليهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا دخل إلى منزله ، واجتمعت عليه قريش ، يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته ، فتولّي قريش فرارا ، فأنزل الله في ذلك : ﴿وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ﴾ الآية » (٩) .
والقمي ، قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا تهجّد بالقرآن تسمع له قريش لحسن صوته ، فكان إذا قرأ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢١ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٧٥.
(٢) كذا في المصدر أيضا ، ولعلّه النّضر بن الحارث.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٧.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٢.
(٦ و٧) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٧.
(٨) تفسير روح البيان ٥ : ١٦٨.
(٩) الكافي ٨ : ٢٦٦ / ٣٨٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٥.