﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي
وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٢) و (٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان إكرام نبيه صلىاللهعليهوآله بإسرائه إلى السماوات ، بيّن إكرام موسى بإسرائه إلى الطور وإيتائه التوراة بقوله : ﴿وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ﴾ المعهود - وهو التوراة - بعد إسرائه إلى الطور ، وكان من فضائل ذلك الكتاب أنّا قرّرناه ﴿وَجَعَلْناهُ هُدىً﴾ ورشادا ﴿لِبَنِي إِسْرائِيلَ﴾ إلى كلّ حقّ وخير ، لاحتوائه للعلوم الكثيرة والأحكام الوفيرة ، وكان أهمّ ما فيه أنّا كتبنا فيه ﴿أَلَّا تَتَّخِذُوا﴾ يا بني إسرائيل لأنفسكم ﴿مِنْ دُونِي﴾ وممّا سواي ﴿وَكِيلاً﴾ وإلها تفوّضون إليه الامور ، وترجعون إليه في الحوائج يا ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا﴾ ه ﴿مَعَ نُوحٍ﴾ في السفينة يوم الطّوفان ، وأنعمنا عليه بالنجاة حين هلاك جميع ما في الأرض من الحيوان والنبات ، فانّ نجاة آبائكم من أعظم النّعماء عليكم ؛ لأنّه لو لم يكونوا لم تكونوا ، فيجب أن يقابلوه بالشكر كما شكر نوح ﴿إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ مبالغا في أداء حقّ (١) النعمة ، ومجدّا إلى القيام بوظائف العبودية.
روي أنّه عليهالسلام كان إذا أكل قال : « الحمد لله الذي أطعمني ، ولو شاء أجاعني » . وإذا شرب قال : « الحمد لله الذي سقاني ، ولو شاء أظمأني » وإذا اكتسى قال : « الحمد لله الذي كساني ، ولو شاء جرّدني » . وإذا تغوّط قال : « الحمد لله الذي أخرج عنّي أذاه في عافية ، ولو شاء حبسه » (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام ، أنه سئل ما عنى بقوله في نوح : ﴿إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً ؟﴾ فقال : « كلمات بالغ فيهنّ » قيل : وما هنّ ؟ قال : « كان إذا أصبح قال : أصبحت اشهدك ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فانّها منك وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد على ذلك ، ولك الشكر كثيرا. كان يقولها إذا أصبح ثلاثا ، وإذا أمسى ثلاثا » (٣) .
﴿وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ
عُلُوًّا كَبِيراً * فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٤) و (٦)﴾
__________________
(١) في النسخة : حقه.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ١٣١.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ٣٦ / ٢٤٦٣ ، الكافي ٢ : ٣٨٨ / ٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٧٧.