متقلّص الشفتين ، خارج اللّثة ، عابس. وأمّا إبراهيم فو الله إنّه لأشبه الناس بي خلقا وخلقا » .
فضجّوا وعظموا ذلك ، وصار بعضهم يصفّق ، وبعضهم يضع يده على رأسه متعجّبا ومنكرا ، قالوا : نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا ، أتزعم أنّك أتيته في ليلة واحدة ، واللات والعزّى لا نصدّقك. وارتدّ ناس ممّن كان آمن به ، وسعى رجال إلى أبي بكر ، فقال :
إن كان قد قال ذلك فلقد صدق. قالوا : أتصدّقه على ذلك ؟ قال : إنّي أصدّقه على أبعد من ذلك ، فإنّي أصدّقه في خبر السماء في غدوة وروحة.
وكان فيهم من يعرف بيت المقدس ، فقالوا : صف لنا بيت المقدس ، كم له [ من ] باب ؟ قال صلىاللهعليهوآله : « فكربت كربا شديدا لم أكرب مثله [ قطّ ] ، لأنّهم سألوني عن أشياء لم أثبتها ، وكنت دخلته ليلا وخرجت منه ليلا ، فقمت في الحجر ، فجلّى الله لي بيت المقدس ، فطفقت اخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه » ، فقالوا : أمّا النعت فقد أصاب. فقالوا : ما آية ذلك يا محمّد ؟ فقال عليهالسلام : « [ آية ذلك ] إنّي مررت بعير بني فلان بوادي الروحاء » وهو محلّ قريب من المدينة « قد أضلّوا ناقة لهم ، وانتهيت إلى رحالهم ، وإذا قدح ماء فشربت منه ، فاسألوهم عن ذلك » . قالوا : فأخبرنا عن عيرنا. قال : « مررت بها في التنعيم » وهو محلّ قريب من مكة « فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ، وأنها تقدم مع طلوع الشمس ، يتقدّمها جمل أورق عليه غرارتان » أي جوالقان (١) « أحداهما سوداء ، والاخرى برقاء (٢) » فابتدر القوم الثنية ، فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد أشرقت. فقال آخر : هذه والله العير قد أقبلت ، يتقدّمها جمل أورق ، كما قال محمد ، عليه غرارتان ، فتاب المرتدّون وأصرّ المشركون ، وقالوا : إنّه ساحر(٣) .
ثمّ اعلم أنّ معراج النبي صلىاللهعليهوآله مرّة ببدنه العنصري من ضروريات دين الاسلام ، والأخبار به متواترة ، وإن كان تفصيل خصوصياته وقضاياه منقول بخبر الواحد ، فلا شبهة في أنّ إنكار أصله - كما نسب إلى عائشة ومعاوية - كفر وخروج عن ربقة الاسلام ، والتشكيك فيه بأن صعود الجسم الثقيل إلى السماوات وسرعة حركته إلى هذا الحدّ وخرق الأفلاك غير معقول ، إنّما نشأ عن الجهل بقدرة الله تعالى الكاملة. وأمّا في بعض الروايات من الامور البعيدة عن الأنظار فمطروح أو موجّه بوجوه قريبة إلى الاعتبار.
__________________
(١) الجوالق : وعاء من صوف أو شعر أو غيرهما.
(٢) برقاء : لعلّه يريد بيضاء مشرقة كالبرق ، وفي روح البيان : أي فيها بياض وسواد ، أي جوالق مخطط ببياض.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٢٦.