فقالوا : يا محمّد ، إنّ هاهنا من دخل بيت المقدس ، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه ، فجاء جبرئيل فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه ، فلمّا أخبرهم قالوا : حتى تجيء العير ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : تصديق ذلك أنّ العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أورق (١) فلمّا كان من الغد أقبلوا ينظرون إلى العقبة ، ويقولون : هذه الشمس تطلع الساعة ، فبيناهم كذلك إذ طلعت عليهم العير حين طلع القرص يقدمها جمل أورق ، فسألوهم عمّا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالوا : لقد كان هذا ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء فأصبحنا وقد اهريق الماء ، فلم يزدهم إلّا عتوّا » (٢) .
روت العامة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا رجع من ليلته قصّ القصّة على امّ هانئ ، وقال : « إنّي اريد أن أخرج إلى قريش واخبرهم بذلك » . فقالت : أنشدك بالله يابن عمّ أن لا تحدّث بهذا قريشا فيكذّبك من صدّقك. فلمّا كان الغداة تعلّقت بردائه ، فضرب يده على ردائه فانتزعه من يدها ، وانتهى إلى نفر من قريش في الحطيم وهو ما بين باب الكعبة والحجر الأسود ، واولئك النفر : مطعم بن عديّ ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة. فقال : « إنّي صلّيت العشاء في هذا المسجد ، وصلّيت به الغداة ، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس » وأخبرهم عمّا رأى في السماء من العجائب ، وأنّه لقي الأنبياء ، وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى (٣) .
وروي أنه لمّا دخل المسجد الحرام ، وعرف أنّ الناس يكذّبونه ، وما أحبّ أن يكتم ما هو دليل على قدرة الله ، وعلوّ مقامه الباعث على اتّباعه ، قعد حزينا ، فمرّ به أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه صلىاللهعليهوآله ، فقال كالمستهزئ : هل كان من شيء ؟ قال : « نعم اسري بي الليلة » . قال : إلى أين ؟ قال : « إلى بيت المقدس » قال : ثمّ أصبحت بين ظهرانينا ؟ ! قال : « نعم » . قال : أ رأيت أن دعوت قومك تحدّثهم بما حدّثتني ؟ قال : « نعم » . قال : يا معشر كعب بن لؤي ، فانفضّت إليه المجالس وجاءوا حتّى جلسوا إليهما ، فقال : « إنّي اسري بي » . قالوا : إلى أين ؟ قال : « إلى بيت المقدس ، فنشر لي الأنبياء وصلّيت به وكلّمتهم » .
فقال أبو جهل كالمستهزئ : صفهم لنا. فقال صلىاللهعليهوآله : « أمّا عيسى ففوق الرّبعة (٤) دون الطويل عريض الصدر جاعد الشعر » [ أي في شعره تثنّي وتكسّر ] « تعلوه صهبة » أي [ يعلو شعره شقرة « ظاهر الدم » أي يعلوه ] حمرة « كأنّما خرج من ديماس » أي حمام « أمّا موسى فضخم آدم » أي أسمر طويل « كأنّه رجال شنوءة » وهم طائفة من اليمن معروفون بالطول « كثير الشعر ، غائر العينين ، متراكم الاسنان ،
__________________
(١) الأورق من الإبل : ما في لونه بياض إلى سواد.
(٢) أمالي الصدوق : ٥٣٣ / ٧١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٧٦.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٢٥.
(٤) الرّبعة : الوسيط القامة.