إلّا الله.
﴿وَ﴾ ذكرنا ﴿كُلًّا﴾ من الامم المهلّكين و﴿ضَرَبْنا﴾ وبيّنا بتوسّط الرسل ﴿لَهُ الْأَمْثالَ﴾ والقصص العجيبة الزاجرة عمّا هم عليه من الكفر والمعاصي ﴿وَكُلًّا﴾ من الطوائف بعد تكذيبهم الرسل وإصرارهم على الطغيان ﴿تَبَّرْنا﴾ هم وأهلكناهم ﴿تَتْبِيراً﴾ وإهلاكا عجيبا هائلا.
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا
لا يَرْجُونَ نُشُوراً * وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ
رَسُولاً * إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ
يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٠) و (٤٢)﴾
ثمّ استشهد سبحانه على قدرته على تعذيب المكذّبين للرسل وشدّة غضبه عليهم بما وقع في سدوم من قرى قوم لوط بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا﴾ هؤلاء المشركون من قريش ، ومرّوا مرارا كثيرة في أسفارهم إلى الشام للتجارة ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ﴾ الموسومة بسدوم ﴿الَّتِي أُمْطِرَتْ﴾ من السماء ﴿مَطَرَ السَّوْءِ﴾ واهلك أهلها بنزول الحجارة عليهم ﴿أَ فَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها﴾ في ذهابهم إلى الشام ، ولم ينظروا إلى آثار العذاب فيها فيخافوا ويعتبروا ويؤمنوا ﴿بَلْ﴾ علّة عدم إيمانهم أنّهم ﴿لا يَرْجُونَ﴾ ولا يتوقّعون ﴿نُشُوراً﴾ ولا يؤمنون به حتى يرجوا ثواب الآخرة على الإيمان وطاعة الله مع وضوحه ، فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي حتى يتّعظوا بما شاهدوا من آثار العذاب ؟ وإنما يحملونه على الاتفاقيات.
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية إنكار المشركين نبوّة نبيه وشبهاتهم فيها ، حكى استهزاءهم به بقوله : ﴿وَإِذا رَأَوْكَ﴾ الذين كفروا بالله وبرسالتك من قريش ﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ﴾ وما يفرضونك ﴿إِلَّا هُزُواً﴾ ومحلا للسّخرية ، وكان كيفية استهزائهم أنه يقول بعضهم لبعض : ﴿أَ هذَا﴾ الرجل الفقير المهين فينا ﴿الَّذِي بَعَثَ اللهُ﴾ إلينا ﴿رَسُولاً﴾ فنتّبعه في ما يقول ، ونطيعه في ما يحكم ؟ ! ويقولون : ﴿إِنْ﴾ الشأن أنّه ﴿كادَ﴾ وقرب أنّه ﴿لَيُضِلُّنا﴾ ويصرفنا ﴿عَنْ﴾ عبادة ﴿آلِهَتِنا﴾ وأصنامنا بلطف بيانه ، وإكثار الحجج على التوحيد ، واجتهاده في الدعوة إليه ﴿لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا﴾ وثبّتنا ﴿عَلَيْها﴾ وأصررنا على عبادتها.
ثمّ هدّدهم سبحانه بقوله : ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ البتة ﴿حِينَ يَرَوْنَ﴾ عيانا في الآخرة ﴿الْعَذابَ﴾ الأليم الشديد بالنار ، أو في الدنيا بالقتل والأسر والذلّ والجلاء ﴿مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ؟﴾ وأي الفريقين