أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي
الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي
ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٥) و (٩٧)﴾
ثمّ أنّه عليهالسلام بعد قبول عذر هارون توجّه إلى السامري ، وكان حاضرا ، أو بعد إحضاره ﴿قالَ﴾ له : ﴿فَما خَطْبُكَ﴾ وما شأنك ، وأيّ شيء غرضك ممّا فعلت ، أو ما الذي حملك عليه ﴿يا سامِرِيُّ؟﴾ وكان غرضه من السؤال إثبات بطلان عمله وكيده باعترافه ، ﴿قالَ﴾ السّامري لموسى عليهالسلام: ﴿بَصُرْتُ﴾ وأنا في القوم ﴿بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ ورأيت ما لم يروه ، وهو أنّه رأى جبرئيل راكبا على فرس ، وكان كلّما وضع فرسه يديه أو رجليه على الأرض اليابسة يخرج من تحته النبات في الحال فقال : ﴿فَقَبَضْتُ﴾ وأخذت ﴿قَبْضَةً﴾ وكفّا ﴿مِنْ﴾ تربة ﴿أَثَرِ﴾ فرس ﴿الرَّسُولِ﴾ وموضع حافره ﴿فَنَبَذْتُها﴾ وألقيتها في فم العجل الذي صنعته من الحليّ ، فكان ما كان ﴿وَكَذلِكَ﴾ التّسويل من القبض والنبذ ﴿سَوَّلَتْ لِي﴾ أو مثل ذلك التّزيين زيّنت لي ﴿نَفْسِي﴾ في نظري ، ففعلت ما فعلت بهواي ، لا بحكم العقل ، ولا بأمر الله ﴿قالَ﴾ موسى عليهالسلام : إذن ﴿فَاذْهَبْ﴾ واخرج من بين النّاس ﴿فَإِنَّ لَكَ فِي﴾ مدّة ﴿الْحَياةِ﴾ وزمان العمر ﴿أَنْ تَقُولَ﴾ للنّاس ﴿لا مِساسَ﴾ لأحد بي.
روي أنّه كان إذا ماسّ أحدا ذكرا كان أو انثى حمّ الماسّ والممسوس جميعا حمى شديدة ، فتحامى النّاس وتحاموه ، وكان يصيح بأعلى صوته لا مساس ، وحرّم عليهم ملاقاته ومكالمته ومواجهته ، فصار وحيدا طريدا ، يهيم في البريّة مع الوحش والسباع (١) .
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ موسى عليهالسلام همّ بقتل السّامري ، فأوحى الله إليه : لا تقتله فإنّه سخيّ» (٢) .
ثمّ أوعده موسى عليهالسلام بالعذاب في الآخرة بقوله : ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً﴾ ووعدا بالعذاب الشّديد في الآخرة على الضّلال والإضلال ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ من قبل الله ، ينجز البتّة بعد عقوبتك في الدنيا ﴿وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ﴾ ومعبودك ﴿الَّذِي﴾ صنعته بيدك و﴿ظَلْتَ﴾ وبقيت ، أو صرت ﴿عَلَيْهِ عاكِفاً﴾ وعلى عبادته مقيما ، والله ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بالنّار بناء على كون العجل ذا لحم وعظم ، أو لنبردنّه بالمبرد بناء على كونه ذهبا ﴿ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ﴾ ولنذرّينّه ﴿فِي الْيَمِ﴾ والبحر رمادا ومبرودا (٣)﴿نَسْفاً﴾ وذرّا [ بحيث ] لا يبقى منه عين ولا أثر ، حتى يعلم أنّ ما يحرق ويعدم آثاره لا يكون قابلا للعبادة.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٢.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٤٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٨.
(٣) في النسخة : مبردا ، وما أثبتناه من روح البيان ٥ : ٤٢٢.