سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾(١) فلم تركت قتالهم وتأديبهم (٢) ، ثمّ وبّخه بقوله : ﴿أَ فَعَصَيْتَ﴾ وخالفت ﴿أَمْرِي﴾ إيّاك بالصّلابة في الدّين والمحاماة عليه.
روي أنّه عليهالسلام أخذ بشعر رأسة بيمينه ولحيته بشماله من شدّة غيظه [ وغضبه ] لله ، وكان عليهالسلام حديدا متصلّبا في كلّ شيء ، ففعل ما فعل بمرأى من قومه حين رآهم يعبدون العجل (٣) ،
فلمّا رأى هارون غضبه عليه ﴿قالَ﴾ ترقيقا لقلبه : ﴿يَا بْنَ أُمَ﴾ ارفق بي وراع حقّ امّك فيّ ، و﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي﴾ وشعره ﴿إِنِّي خَشِيتُ﴾ إن قاتلت بعضهم ببعض وتفرّقوا من ﴿أَنْ تَقُولَ﴾ لي حين رجوعك أنت ﴿فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ.﴾
وقيل : يعني أنّي خشيت إن فارقتهم واتّبعتك من أن يصيروا حزبين يقتل بعضهم بعضا ، فتقول لي: أنت أوقعت الفرقة في ما بينهم ﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ ولم تحفظ بحسن الخلافة عليهم (٤) .
قيل : لعلّ موسى عليهالسلام [ إنّما ] أمره بالذّهاب إليه إذا لم يؤدّ ذهابه إلى فساد القوم ، فقال : إنّما أمرتني باتّباعك إذا لم يحصل الفساد ، فلو جئتك مع حصول الفساد ما كنت مراقبا لقولك (٥) .
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل لم أخذ موسى عليهالسلام برأس هارون يجرّه إليه وبلحيته ، ولم يكن له في اتّخاذهم العجل وعبادتهم له ذنب ؟ فقال : « إنّما فعل ذلك لأنّه لم يفارقهم لمّا فعلوا ذلك ، ولم يلحق بموسى عليهالسلام ، وكان إذا فارقهم ينزل عليهم العذاب ، ألا ترى أنّه قال لهارون : ﴿ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي ؟﴾ قال هارون : لو فعلت ذلك لتفرّقوا » (٦) .
ثمّ اعلم أنّ منكري عصمة الأنبياء استدلّوا بهاتين الآيتين بوجوه عديدة على مذهبهم الفاسد ، وأجاب القائلون بعصمتهم عنه بوجوه منها : أنّ بني إسرائيل كانوا على نهاية سوء الظنّ بموسى عليهالسلام ، حتى أنّ هارون غاب عنهم غيبة فقالوا لموسى : أنت قتلته ؟ فلمّا رجع موسى عليهالسلام من الميقات ، ورأى في قومه ما رأى ، أخذ برأس أخيه ليدنيه ويتفحّص من كيفيّة الواقعة ، فخاف هارون من أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له ، فقال إشفاقا على موسى عليهالسلام : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي لئلّا يظنّ بك القوم ما لا يليق بك ، والحقّ أنّ موسى عليهالسلام أظهر الغضب على أخيه مع علمه بأنّه لم يفعل إلّا ما هو تكليفه وصلاح دينه ، إظهارا لشدّة غضبه من عمل قومه ، وإعظاما له ، وإعلانا بغاية قبحه وشناعته.
﴿قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ * قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ
__________________
(١) الأعراف : ٧ / ١٤٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٨.
(٣ و٤) تفسير روح البيان ٥ : ٤١٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٩.
(٦) علل الشرائع : ٦٨ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٧.