مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى * جَنَّاتُ عَدْنٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٤) و (٧٦)﴾
ثمّ بيّنوا كون عذاب الله أشدّ وأبقى ، ردّا على قول فرعون : ﴿أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى﴾ بقولهم : ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ﴾ يوم القيامة حال كونه ﴿مُجْرِماً﴾ وعاصيا له بالكفر والطغيان ﴿فَإِنَّ لَهُ﴾ بالاستحقاق ﴿جَهَنَّمَ﴾ وهو ﴿لا يَمُوتُ فِيها﴾ فيستريح من العذاب ﴿وَلا يَحْيى﴾ حياة منتفعا بها ، بل في كلّ آن يتمنّى الموت من شدّة العذاب والنّكال ولا يتيسّر له.
ثمّ بيّنوا حسن حال المؤمنين بقولهم : ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ﴾ ويلقاه في المحشر حال كونه ﴿مُؤْمِناً﴾ بوحدانيّته وبرسوله وبآياته التي منها ما شاهدناه و﴿قَدْ عَمِلَ﴾ الأعمال ﴿الصَّالِحاتِ﴾ وأتى بما كلّف به من الواجبات ، واحترز المحرّمات ﴿فَأُولئِكَ﴾ المؤمنون الصّالحون ﴿لَهُمُ﴾ جزاء على إيمانهم وطاعتهم ﴿الدَّرَجاتُ الْعُلى﴾ والمنازل الرفيعة ، وهي ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ وبساتين دائمة لا فناء لها ولا خراب لها ، قصور وأشجار ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ ويكون المؤمنون ﴿خالِدِينَ﴾ ومقيمين ﴿فِيها﴾ أبدا ﴿وَذلِكَ﴾ المذكور من الدّرجات العالية في تلك الجنان ﴿جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ وطهّر (١) نفسه من دنس الكفر والعصيان بالإيمان والتوبة والطاعة.
عن ابن عباس : كانوا [ في ] أوّل النهار سحرة و[ في ] آخره شهداء (٢) .
وقال بعض العامة : إنّ كلام السّحرة ختم بقوله : ﴿خَيْرٌ وَأَبْقى﴾ والآيات الثلاث ابتداء كلام الله تعالى (٣) .
﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً
لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما
غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٧) و (٧٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد طي ذكر ما جرى على فرعون وملئه من الآيات المفصّلات الظاهرة على يد موسى في نحو من عشرين أو أربعين سنة من قتله السّحرة ، بيّن ما انتهى إليه أمر فرعون ونجاة بني إسرائيل من ظلمه بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى﴾ وقلنا له بتوسّط جبرئيل : ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي﴾ الّذين استعبدهم فرعون ، واستذلّهم بالأسر ، واستضعفهم بتحميل المشاقّ ، وسر بهم ليلا من مصر ﴿فَاضْرِبْ﴾ واتّخذ ﴿لَهُمْ﴾ أو اضرب بعصاك ، واجعل لهم بعد الخروج من مصر ﴿طَرِيقاً﴾ كائنا
__________________
(١) في النسخة : تطهّر.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٨٨.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٣١.