﴿فِي الْبَحْرِ﴾ القلزم (١) على قول ، أو الأصاف (٢) على آخر ، يكون ﴿يَبَساً﴾ وجافّا لا وحل فيه ولا نداوة فضلا عن الماء ، وجز منه آمنا بحيث ﴿لا تَخافُ دَرَكاً﴾ من العدوّ ووصولهم إليك ﴿وَلا تَخْشى﴾ الغرق.
روي أنّ موسى عليهالسلام خرج بهم أوّل اللّيل ، وكانوا ستمائة وسبعين ألفا ، فاخبر فرعون بذلك (٣)﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ وعساكره ، وكانت مقدّمته سبعمائة ألف ، فقصّ أثرهم فلحقهم بحيث تراءى الجمعان ، فعند ذلك ضرب موسى عليهالسلام بعصاة البحر ، فانفلق على اثني عشر فرقا كلّ فرق كالطّود العظيم ، وبقي الماء قائما بين الطرق ، فعبر موسى بمن معه من الأسباط سالمين ، وتبعهم فرعون بجنوده ﴿فَغَشِيَهُمْ﴾ وسترهم ﴿مِنَ الْيَمِ﴾ والبحر ﴿ما غَشِيَهُمْ﴾ وما علاهم من الأمواج الهائلة التي لا يعلمها إلّا الله.
عن ابن عبّاس قال : خرج فرعون في طلب موسى عليهالسلام ، وعلى مقدّمته ألف ألف وخمسمائة ألف سوى الجنبين والقلب ، فلمّا انتهى موسى عليهالسلام إلى البحر قال : ها هنا امرت ، ثمّ قال موسى عليهالسلام للبحر : انفرق فأبى ، فأوحى الله إليه : أن اضرب بعصاك البحر ، فضرب فانفلق فقال لهم موسى عليهالسلام : ادخلوا فيه ، فقالوا : كيف وأرضه رطبة ؟ فدعا الله فهبّت عليه الصّبا (٤) فجفّت ، فقالوا : نخاف الغرق في بعضنا ، فجعل بينهم كوى حتى يرى بعضهم بعضا ، فدخلوا حتى جاوزوا البحر ، فأقبل فرعون إلى تلك الطّرق ، فقال قومه له : إنّ موسى سحر البحر فصار كما ترى ، وكان على فرس حصان ، وأقبل جبرئيل على فرس انثى في ثلاثة وثلاثين من الملائكة ، فصار جبرئيل بين يدي فرعون ، وأبصر الحصان الفرس الحجر (٥) ، فاقتحم بفرعون على أثرها ، وصاحت الملائكة في الناس : ألحقوا الملك ، حتى إذا دخل آخرهم وكاد أوّلهم أن يخرج التقى البحر عليهم فغرقوا ، فسمع بنو إسرائيل خفقة البحر عليهم فقالوا : ما هذا يا موسى ؟ قال : قد أغرق الله فرعون وقومه ، فرجعوا لينظروا إليهم ، فقالوا : يا موسى ، ادع الله أن يخرجهم لنا حتى ننظر إليهم ، فدعا فلفظهم البحر إلى الساحل ، وأصابوا سلاحهم (٦) .
قال ابن عبّاس : إنّ جبرئيل قال : يا محمّد ، لو رأيتني وأنا أدسّ فرعون في الماء والطّين مخافة أن يتوب (٧) .
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ وسلك بهم مسلكا أدّاهم إلى الخيبة والخسران في الدّين والدنيا حيث
__________________
(١) بحر القلزم : البحر الأحمر.
(٢) كذا.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ٣١ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٠٩.
(٤) الصّبا : ريح مهبّها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار.
(٥) الحجر : أنثى الخيل.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٩٣.
(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٩٤.