وترتكبون ﴿الْفاحِشَةَ﴾ والفعلة الشنيعة في الغاية ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ فحشه وشدّة قبحه ، وتعلمون غاية شناعته ؟ ! ومن الواضح أنّ ارتكاب القبيح من العالم بقبحه أقبح ، أو تبصرون عمله فيما بينكم ، وتعلنون به بلا تخفّ وتستّر ، أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم من العذاب.
ثمّ بيّن الفاحشة بقوله : ﴿أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ﴾ في أدبارهم لتقضوا ﴿شَهْوَةً﴾ حيوانية ﴿مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾ ومتجاوزين عنهنّ مع كونهنّ محالّ الشهوة ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ سوء عاقبة عملكم ، أو كالذين تجهلون قباحة هذا العمل ، لكونكم غير عاملين بعلمكم ، أو قوم سفهاء لا تميّزون بين حسن الفعل وقبحه.
﴿فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ
يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ * وَأَمْطَرْنا
عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٦) و (٥٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه غاية جهلهم بقوله : ﴿فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ﴾ له بعد إبلاغه في نصحهم شيء ﴿إِلَّا أَنْ قالُوا :﴾ يا قوم ﴿أَخْرِجُوا﴾ لوطا و﴿آلَ لُوطٍ﴾ ومن تبعه ﴿مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾ وبلدكم ، وهي بلدة سدوم ﴿إِنَّهُمْ أُناسٌ﴾ وجماعة ﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾ بأنفسهم من دنس الفحش باعتقادهم ، ويتنزّهون عن فعلنا القبيح.
عن ابن عباس : أنّه [ على ] طريق الاستهزاء بلوط (١) .
﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ﴾ وأقاربه من العذاب بأمرهم بالخروج من القرية وقت نزوله ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ وزوجته الكافرة المسمّاة بواهلة على ما قيل (٢) ، فانّا ﴿قَدَّرْناها﴾ وقضينا كونها ﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾ والباقين في البلدة ، أو في العذاب مع القوم ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ بعد خروج لوط وأهله من بينهم وقلب قريتهم ، أو على من كان منهم في الأسفار ﴿مَطَراً﴾ عجيبا غير الأمطار المعتادة ﴿فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ والكفّار المتوعّدين بالعذاب ؛ لأنّه كان من حجارة من سجّيل ، وهو أفضع العذاب ، كما أنّ اللّواط أفحش الفواحش.
﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٩٢ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٩.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٩.