روي أنّ يهوديّا سأل عليّا عليهالسلام عن مدّة لبثهم ، فأخبره بما في القرآن فقال : إنّا نجد في كتابنا ثلاثمائة ، فقال عليهالسلام : « ذلك بسنيّ الشمس ، وهذا بسنيّ القمر » (١) .
وقال القميّ وبعض العامّة : قوله تعالى : ﴿وَلَبِثُوا﴾ من قول القائلين بأنّهم ثلاثة أو خمسة ، والمعنى : وقالوا لبثوا في كهفهم ، فردّ الله عليهم بقوله : ﴿قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا﴾ الآية (٢) . لأنّه محيط بجميع الموجودات ، ومدبّر للعالم ، فاذا كان كذلك كان عالما بهذه الواقعة لا محالة (٣) .
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان إحاطته على الخلق علما ، بيّن إحاطته على الناس قدرة وتدبيرا بقوله : ﴿ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ﴾ ومدبّر أمر. وقيل : إنّ المعنى ما لأصحاب الكهف [ من دون الله ] من وليّ(٤). وعلى كلّ تقدير لا يعلم أحد واقعتهم إلّا بإعلامه ، فاذا حكم بأنّ مدّة لبثهم مقدارا معيّنا ، فإنّه مستقلّ في الحكم ﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ فليس لغيره الحكم بخلافه.
قيل : اختلف النّاس في زمان أصحاب الكهف ، قيل : إنّهم كانوا قبل موسى لذكر خبرهم في التوراة ، ولذا سأل اليهود رسول الله صلىاللهعليهوآله عن قصّتهم. وقيل : إنّهم دخلوا الكهف قبل المسيح ، وأخبر المسيح بهم. ثمّ بعثوا بعد رفع المسيح. وقيل : إنّهم دخلوا الكهف بعد المسيح (٥) .
﴿وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ
مُلْتَحَداً (٢٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الجواب عن سؤال قريش واليهود عنهم امتحانا واقتراحا ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بتلاوة كتابه المتضمّن لكلّ شيء وعدم الاعتناء باقتراحات القوم بقوله : ﴿وَاتْلُ﴾ يا محمّد ﴿ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ﴾ الذي هو أحسن الحديث وأفضل الكتب ، وأستأنس به ، ولا تلتفت إلى اقتراحات المشركين وترّهاتهم من قولهم : إئت بقرآن غير هذا أو بدّله ، فإنّه ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ ولا مغيّر لآياته من الجنّ والإنس ، وإن تظاهروا على ذلك ، لأنّا له لحافظون ﴿وَلَنْ تَجِدَ﴾ أبدا وإن أجهدت نفسك في الطلب أحدا ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى يكون لك ﴿مُلْتَحَداً﴾ وملجأ يلتجئ إليه في مهمّاتك ، وفي البليّات التي تنزل عليك.
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٧١٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٩.
(٢) نحوه في : تفسير القمي ٢ : ٣٤ ، وتفسير الصافي ٣ : ٢٤٠ ، وتفسير الرازي ٢١ : ١١١.
(٣) لم يذكر تفسير قوله تعالى : أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ١١٢.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ١١٣.