فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ (٥٣) و (٥٤)﴾
ثمّ بيّن الله بعض حكمه ومصالحه بقوله : ﴿لِيَجْعَلَ﴾ الله ﴿ما يُلْقِي الشَّيْطانُ﴾ في قلوب الكفّار وألسنتهم ﴿فِتْنَةً﴾ وابتلاء عظيما ﴿لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ مهلك لا مرض أشدّ منه كالشّك والنّفاق والكبر والحسد وحبّ الدّنيا ﴿وَ﴾ للكفرة ﴿الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ الشّديدة الصّلابة أفئدتهم ﴿وَإِنَ﴾ الفرق ﴿الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالكفر والشّرك والنّفاق ﴿لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ عن الحقّ والسّعادة وعداوة شديدة للرّسول وكتابه ودينه ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ﴾ آمنوا و﴿أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ بجهات إعجاز القرآن وكمال دين الإسلام ﴿أَنَّهُ الْحَقُ﴾ النازل ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ علما لا يزول بتشكيك المشكّكين ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ إيمانا كاملا ﴿فَتُخْبِتَ﴾ وتخشع ﴿لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ وتتواضع لعظمته أفئدتهم وجوارحهم ﴿وَإِنَّ اللهَ﴾ بتوفيقه وتأييده ﴿لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ في الامور الدّينية عند تراكم ظلمات الشّبهات واختلاف شعب الضّلال ﴿إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ والمنهج القويم الموصل إلى الحقّ.
واعلم أنّ تفسير هذه الآيات من المشكلات التي زلّت فيها أقدام الأعلام من العامّة ، حيث فسّروها بوجوه لا يمكن الالتزام بها للّذين شمّوا رائحة الإيمان ، ولذا أعرضنا عن نقلها ، بل لو كان الأمر إلينا لمحوناها من الدّفاتر والكتب.
وأمّا أصحابنا الإماميّة فقد روى بعضهم عن أمير المؤمنين عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية أنّه قال : « يعني ما من نبيّ تمنّى مفارقة ما يعانيه من نفاق قومه وعقوقهم ، والانتقال عنهم إلى دار الإقامة ، إلّا ألقى الشّيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي أنزل عليه ذمّه والقدح فيه والطّعن عليه ، فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين. ويحكم الله آياته بأن يحمي أوليائه من الضّلال والعدوان ومشايعة أهل الكفر والطّغيان الّذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام حتى قال : ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾(١) .
وروى القمي عن الصادق عليهالسلام : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أصابه خصاصة (٢) ، فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له : هل عندك من طعام ؟ قال : نعم يا رسول الله ، وذبح له عناقا (٣) وشواه ، فلمّا أدناه منه تمنّى رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يكون معه عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام فجاء أبو بكر وعمر ، ثمّ جاء علي عليهالسلام بعدهما ، فأنزل الله في ذلك ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى
__________________
(١) الاحتجاج : ٢٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٦ ، والآية من سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٤.
(٢) الخصاصة : الحاجة.
(٣) العناق : الأنثى من أولاد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام الحول.