عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً * كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ
ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٧٧) * (٨٠)﴾
ثمّ بيّن الله غاية غرور المشركين بمآلهم عند الله بقوله : ﴿أَ فَرَأَيْتَ﴾ يا محمّد ﴿الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا﴾ الدالّة على التوحيد في الالوهية ورسالة رسولنا ويوم جزائنا ﴿وَقالَ﴾ غرورا : والله ﴿لَأُوتَيَنَ﴾ في القيامة ﴿مالاً﴾ كثيرا ﴿وَوَلَداً﴾ كما اوتيتهما في الدنيا حتى تتعجّب من غاية حمقه وجهالته.
روي أنّ الآية نزلت في العاص بن وائل. وقيل : في الوليد بن المغيرة ، فإنّه كان لخبّاب بن الأرتّ دين عليه فاقتضاه فقال : لا والله حتى تكفر بمحمّد. فقال خبّاب : لا والله لا أكفر بمحمّد صلىاللهعليهوآله ، لا حيّا ولا ميّتا ولا حين نبعث ، فقال العاص أو الوليد : فإنّي إذا متّ بعثت ؟ ! قال خبّاب : نعم ، قال : إذا بعثت وجئتني فسيكون لي ثمّة مال وولد فأعطيك.
وقيل : صاغ خبّاب له حليّا فاقتضاه ، فطلب الأجرة منه ، فقال : إنّكم تزعمون أنّكم تبعثون ، وأنّ في الجنّة ذهبا وفضّة وحريرا ، فأنّا أقضيك ثمّ ، فإنّي اوتى مالا وولدا حينئذ (١) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ العاص بن وائل بن هشام القرشي ثمّ السّهمي ، وهو أحد المستهزئين ، وكان لخبّاب بن الأرتّ عليه حقّ فأتاه يتقاضاه ، فقال له العاص : أ لستم تزعمون أنّ في الجنّة الذهب والفضّة والحرير ؟ قال : بلى ، قال : فموعد [ ما ] بيني وبينك الجنّة ، فوالله لاوتينّ فيها خيرا ممّا اوتيت في الدنيا » (٢) .
فردّ الله عليه بقوله : ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ﴾ وهل بلغ من القرب عند الله إلى أن اوتي العلم الذي لا يعلمه إلّا الله ﴿أَمِ اتَّخَذَ﴾ من الله العالم بالمغيبات ، وكان له ﴿عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ وميثاقا على أن يعطيه ما يقول ﴿كَلَّا﴾ ليس شيء من الأمرين بل ﴿سَنَكْتُبُ﴾ عليه ونثبّت ونحفظ ﴿ما يَقُولُ﴾ من الكذب ﴿وَنَمُدُّ لَهُ﴾ بدل ما يدّعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد ، ونعطيه أو نطوّل له ﴿مِنَ الْعَذابِ﴾ في الآخرة ﴿مَدًّا﴾ وعطاء وطولا لا نهاية له ﴿وَنَرِثُهُ﴾ ونأخذ منه بموته ﴿ما يَقُولُ﴾ من المال والولد الذي يكون له في الدنيا ﴿وَيَأْتِينا فَرْداً﴾ وواحدا لا يكون معه شيء ممّا يفتخر به في الدنيا.
﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ
وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨١) و (٨٢)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٩.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٥٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٢.