إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً﴾ فهذا عهد الميت ، والوصيّة حقّ على كلّ مسلم ، وحقّ عليه أن يحفظ هذه الوصيّة ويتعلّمها ، وقال علي عليهالسلام : علّمنيها رسول الله ، وقال : علّمنيها جبرئيل » (١) .
﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا * تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ
مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً * وَما يَنْبَغِي
لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ
عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٨٨) و (٩٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ردّ عبدة الأصنام ، ردّ القائلين بأنّ لله ولدا من اليهود والنصارى وطائفة من قريش بقوله : ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً.﴾
عن الصادق عليهالسلام : « هذا حيث قالت [ قريش ] : إنّ الله عزوجل اتّخذ ولدا من الملائكة إناثا»(٢).
ثمّ وجّه الخطاب إليهم توبيخا لهم بقوله : ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا﴾ وأدّعيتهم ادّعاء عجيبا ، وقلتم قولا منكرا فظيعا ﴿تَكادُ﴾ وتقرب من فظاعة هذا القول ﴿السَّماواتُ﴾ من أن ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ وينقطعن ﴿مِنْهُ﴾ من فوقكم ﴿وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ﴾ وتنصدع أجزاؤها من تحتكم ﴿وَتَخِرُّ﴾ وتنهدّ ﴿الْجِبالُ﴾ الرواسي ﴿هَدًّا﴾ وتنهدم هدما شديدا.
والمعنى أنّ عظم تلك الكلمة بحيث لو تصوّرت بصورة محسوسة جسمانية لا تتحمّلها هاتيك الأجرام العظام ، بل لتفتّتت (٣) من ثقلها ، أو المراد أنّ فظاعتها في استجلاب الغضب واستيجاب السّخط بحيث لو لا حلم الله تعالى لخرب العالم وبدّد قوائمه (٤) غضبا على المتفوّهين بها لأجل ﴿أَنْ دَعَوْا﴾ وسمّوا ﴿لِلرَّحْمنِ﴾ الخالق لكلّ شيء ﴿وَلَداً﴾ من ذكر أو إناث ﴿وَ﴾ الحال أنّه ﴿ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ﴾ وما يليق به ﴿أَنْ يَتَّخِذَ﴾ لنفسه مع كمال قدرته وغناه ﴿وَلَداً﴾ لاستحالته كاستحالة أخذ الشريك ، لوضوح أنّه ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الملائكة والأنبياء وغيرهما ، وما أحد منهم ﴿إِلَّا﴾ أنّه ﴿آتِي الرَّحْمنِ﴾ وملتجئ إليه حال كونه ﴿عَبْداً﴾ مملوكا منقادا خاضعا ، راجيا منه الإنعام والتفضّل ، ولا يكون الولد عبدا لوالده ، وكلّهم محاطون بعلمه وقدرته ، بحيث إنّه تعالى ﴿لَقَدْ أَحْصاهُمْ﴾ وحصرهم ﴿وَعَدَّهُمْ﴾ بالأشخاص والأنفاس والآجال ﴿عَدًّا﴾ بالغا ﴿وَكُلُّهُمْ
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٥٥ ، من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٣٨ / ٤٨٢ ، الكافي ١ : ٢ / ١ ، التهذيب ٩ : ١٧٤ / ٧١١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٥.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٥٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٦.
(٣) في النسخة : تفتتت.
(٤) في النسخة : قوائمها.