وعن ( المجمع ) عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال لجبرئيل : « ما منعك أن تزورنا ؟ » فنزلت (١) .
وقيل : يجوز كون الآية من كلام أهل الجنّة بعضهم مع بعض ، والمعنى : ﴿وَما نَتَنَزَّلُ﴾ الجنّة ﴿إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا﴾ أي في الجنّة مستقبلا ﴿وَما خَلْفَنا﴾ ممّا كان في الدنيا ﴿وَما بَيْنَ ذلِكَ﴾ [ أي ما بين ] الوقتين ، ﴿وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ لشيء ممّا خلق فيترك إعادته ؛ لأنّه عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرّة (٢) .
وقيل : إنّ قوله : ﴿ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ ابتداء كلام منه تعالى في مخاطبة الرسول تقريرا لكلام أهل الجنّة ، ويتّصل به قوله : ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾(٣) والحقّ أنّ الكلّ كلام الملك ، وكأنّه قال : وما كان ربّك يا محمّد نسيّا لك ، وجائزا عليه الغفلة والسهو ، حتى يضرّك إبطاؤنا بالنزول عليك ، وإنّما لا يجوز عليه النسيان لأنّه ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما﴾ وخالقهما ومدبّرهما ، ولو كان نسيّا لاختلّ نظام العالم وتدبيره لامور الموجودات ، فإذا كان ربّك كذلك ﴿فَاعْبُدْهُ﴾ واجتهد في طاعته ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ﴾ واحبس نفسك على مشاقّها ، ولا تحزن بإبطاء الوحي ونزولنا عليك ، وباستهزاء الكفرة وشماتة الأعداء بك ، فإنّه تعالى يراقبك ويراعيك ويلطف بك في جميع الأحوال والعوالم ﴿هَلْ تَعْلَمُ﴾ أحدا يكون ربّا للموجودات ورحمانا في الدنيا والآخرة حتى يكون ﴿لَهُ﴾ تعالى ﴿سَمِيًّا﴾ ومشاركا في الأسماء والصفات.
عن ابن عبّاس : لا يسمّى بالرحمن غيره (٤) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « تأويله هل تعلم أحدا اسمه الله غير الله » (٥) .
قيل : إنّ المشركين كانوا يطلقون اسم الإله على الصنم والوثن ، ولا يطلقون اسم الله على غيره تعالى (٦) .
﴿وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا
خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٦) و (٦٧)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله كمال قدرته وحكمته وتدبيره في الموجودات ، وأمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بعبادته ، ولا فائدة في العبادة إذا لم يعتقد العابد بالحشر والحساب ، مع كونهما من لوازم حكمته بحكم العقل ، وبّخ المشركين المنكرين للحشر المستبعدين له بقوله : ﴿وَيَقُولُ الْإِنْسانُ﴾ الذي ينكر الحشر والمعاد استبعادا له وتعجّبا من مدّعيه : ﴿أَ إِذا ما مِتُ﴾ وأدخلت في القبر وصرت ترابا ورفاتا ﴿لَسَوْفَ
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٨٠٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٨.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٩.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٠.
(٥) التوحيد : ٢٨٨ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٨.
(٦) تفسير البيضاوي ٢ : ٣٦.