حيث إنّهنّ ﴿يُسَبِّحْنَ﴾ بتبعه. قيل : إنّ التقدير كيف سخّرها الله فقيل يسبّحن (١) . ﴿وَالطَّيْرَ﴾ بحيث يسمع كلّ أحد تسبيحها ، وإنّما قدّم الجبال لكون تسبيحها أعجب.
قيل : كان داود عليهالسلام إذا وجد فترة سبّحت الجبال والطّير بأمر الله ليزداد اشتياقا ونشاطا (٢)﴿وَكُنَّا﴾ بقدرتنا ﴿فاعِلِينَ﴾ ذلك الأمر العجيب.
وقيل : يعني كنّا فاعلين ذلك وأمثاله بالأنبياء ، ليكون لهم معجزة (٣) .
عن ابن عبّاس : أنّ بني إسرائيل كانوا قد تفرّقوا قبل مبعث داود ، وأقبلوا على ملاهي الشيطان ، وهي العيدان والطّنابير والمزامير والصنوج (٤) وما أشبهها ، فبعث الله داود عليهالسلام ، وأعطاه من حسن الصّوت ونغمة الألحان حتى كان يتلو التّوراة بترجيع وخفض ورفع ، فأذهل عقول بني إسرائيل ، وشغلهم عن تلك الملاهي ، وصاروا يجتمعون إلى داود عليهالسلام يستمعون ألحانه ، وكان إذا سبّح تسبّح معه الجبال والطّير والوحش (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّ داود خرج يقرأ الزّبور ، وكان إذا قرأ الزّبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّا أجابه » (٦) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : أنّ يهوديّا قال له : هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبال معه لخوفه. فقال : « إنّه كان كذلك » (٧) .
﴿وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ﴾ وعمل دروع يكون ذلك التّعليم أو الدرع ﴿لَكُمْ﴾ أيّها الناس يعني ﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ وتحفظكم اللّبوس والدّروع ﴿مِنْ﴾ أن تصيبكم الجراحات في ﴿بَأْسِكُمْ﴾ وحربكم ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ﴾ لنعمة الله عليكم حيث سهّل عليكم المخرج من الشّدائد.
قيل : إنّ داود عليهالسلام خرج يوما متنكّرا ليطلب من يسأله عن سيرته في مملكته ، فاستقبله جبرئيل على صورة آدمي ولم يعرفه داود عليهالسلام ، فقال له : كيف ترى سيرة داود عليهالسلام في مملكته ؟ فقال له جبرئيل: نعم الرجل هو لو لا أنّ فيه خصلة واحدة. قال : وما هي ؟ قال : بلغني أنّه يأكل من بيت المال ، وليس شيء أفضل من أن يأكل الرجل من كدّ يمينه ، فرجع داود عليهالسلام وسأل الله أن يجعل رزقه من كدّ يمينه ،
__________________
(١) الكشاف ٣ : ١٢٩ ، تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٠.
(٤) الطّنابير : جمع طنبور وهو آلة من آلات اللهو واللعب والطرب ، ذات عنق وأوتار. والمزامير : جمع مزمار ، وهو آلة من خشب أو معدن تنتهي قصبتها ببوق صغير. والصّنوج : جمع صنج ، وهو صفيحة مدورة من صفر يضرب بها على أخرى ، وصفائح صغيرة مستديرة تثبت في أطراف الدفّ ، أو في الأصابع ليدقّ بها عند الطرب.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٥٠٧.
(٦) إكمال الدين : ٥٢٤ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٩.
(٧) الاحتجاج : ٢١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٠.