يكن إلّا ما أراد الله ، فقد رضينا بأمر الله عزوجل وسلّمنا. وكذلك الأوصياء ليس لهم أن يتعدّوا بهذا الأمر فيجاوزن صاحبه إلى غيره » (١) .
وعنه عليهالسلام قال : « كان في بني إسرائيل رجل وكان له كرم ، ونفشت فيه غنم لرجل [ آخر ] باللّيل ، وقضمته وأفسدته ، فجاء صاحب الكرم إلى داود عليهالسلام ، فاستعدى على صاحب الغنم فقال داود عليهالسلام : إذهبا إلى سليمان ليحكم بينكما. فذهبا إليه ، فقال سليمان عليهالسلام : إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع ، فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها ، وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل ، فإنّه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم ، وكان هذا ما حكم داود عليهالسلام ، وإنّما أراد أن يعرف بني إسرائيل أنّ سليمان عليهالسلام وصيّة بعده ، ولم يختلفا في الحكم ، ولو اختلف حكمهما لقال : كنّا لحكمهما شاهدين » (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « لم يحكما ، إنّما كانا يتناظران ففهّمناها سليمان » (٣) .
وعن الكاظم عليهالسلام : « كان حكم داود رقاب الغنم ، والذي فهّم الله سليمان أنّ لصاحب الكرم اللّبن والصّوف ذلك العام كلّه » (٤) .
أقول : هذه جملة الروايات الواردة ، وتبيّن أنّ صريح جملة منها عدم صدور حكم من داود عليهالسلام كما عليه بعض مفسّري العامة ، ومن المعلوم أنّها مخالفة لظاهر الكتاب من قوله : ﴿إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ﴾ وقوله : ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ﴾ وترتّب قوله : ﴿فَفَهَّمْناها﴾ على قوله : ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ﴾ ولازم التّرتّب سبق الحكم المخالف على التّفهيم ، فلا بدّ من طرح الروايات المخالفة للكتاب ، وحمل الموافقة له على حكم داود فيها بحكم سائر الأنبياء. ثمّ نسخه الله على لسان سليمان عليهالسلام إظهارا لعظمة شأنه وكونه نبيّا ، أو بلسان داود عليهالسلام ، وإنّما كان ما فهمه سليمان عليهالسلام حكمه الحكم الناسخ ، وبيان أولويّته وأرجحيّته من الحكم المنسوخ ، لوضوح عدم جواز الاجتهاد والحكم بالظنّ والاستحسان على الأنبياء ، كما عليه العامة (٥) .
قال الفاضل المقداد في آيات أحكامه : هل كان حكمهما بوحي أو باجتهاد ؟
الجواب : الوجه الحقّ عندنا أنّه بوحي ، والثاني ناسخ ، كما هو قول الجبّائي (٦) .
ثمّ بيّن نعمته المختصّة بداود عليهالسلام بقوله : ﴿وَسَخَّرْنا﴾ ودلّلنا ﴿مَعَ داوُدَ الْجِبالَ﴾ حال تسبيحه ،
__________________
(١) الكافي ١ : ٢١٩ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٨.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٧٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٩.
(٣) المحاسن : ٢٧٧ / ٣٩٧ ، من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧ / ١٩٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٩.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧ / ١٩٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٩.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٩٦.
(٦) كنز العرفان ٢ : ٣٧٩.