يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلى
رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٥٩) و (٦٥)﴾
ثمّ لمّا رجع القوم من عيدهم ودخلوا بيت الأصنام ليسجدوا لهم ، رأوا ما فعل إبراهيم عليهالسلام بهم ﴿قالُوا﴾ تشنيعا على كاسرهم وتهديدا له : ﴿مَنْ فَعَلَ هذا﴾ الفعل ﴿بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بتعريضها للهلاك ، أو على الآلهة المستحقّة للتعظيم بجرأته على كسرهم وتوهينهم ، فلمّا سمع هذا الكلام الذين علموا أنّه قال إبراهيم عليهالسلام : ﴿تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ﴾(١) ، ﴿قالُوا :﴾ يا قوم إنّا ﴿سَمِعْنا﴾ من النّاس أنّ ﴿فَتًى﴾ وشابّا يعيب الآلهة و﴿يَذْكُرُهُمْ﴾ بسوء ﴿يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ﴾ فلعلّه فعل ذلك بهم. فلمّا سمع القوم ذلك ﴿قالُوا﴾ - وقيل : إنّ نمرود وأشراف قومه قالوا في ما بينهم - : ﴿فَأْتُوا بِهِ﴾ وأحضروه ﴿عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾(٢) وبمرأى منهم ومنظر ، وفيهم الذين عرفوه ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ عليه بأنّه فعل ذلك ، أو قال ذلك القول لئلّا يأخذه بلا بيّنة ، فلمّا أحضروا إبراهيم عليهالسلام ﴿قالُوا﴾ تقريرا له : ﴿أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا﴾ الفعل ﴿بِآلِهَتِنا﴾ وأصنامنا ﴿يا إِبْراهِيمُ قالَ﴾ في جوابهم تهكّما : ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ الذي لم يكسر ، لغضبه على أن تعبد معه هذه الأصنام الصّغار ، كما قيل (٣) ، فان لم تقبلوا قولي ﴿فَسْئَلُوهُمْ﴾ عمّن فعل بهم ذلك ﴿إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ حتى يصدّقوني في ما اخبركم به.
روت العامة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنّه لم يكذب إبراهيم عليهالسلام إلّا ثلاث كذبات ؛ أحدها أنّه قال : ﴿إِنِّي سَقِيمٌ ،﴾ والثانية أنّه قال : ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾ والثالثة أنه [ قال لسارة : هي أختي ] »(٤).
وعن الصادق عليهالسلام : « إنّما قال ابراهيم عليهالسلام : إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا ، فما نطقوا ، وما كذب إبراهيم » (٥) .
وعنه عليهالسلام أيضا إنّما قال : « بل فعله كبيرهم ، إرادة الإصلاح ودلالة على أنّهم لا يفعلون (٦) » ، ثمّ قال : « والله ما فعله وما كذب » (٧) .
﴿فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ﴾ وراجعوا إلى عقولهم ، وتذكّروا أنّ ما لا يقدر على دفع الضّرر عن نفسه ، ولا على الإضرار بمن كسره ، يستحيل أن يقدر على دفع الضّرر عن غيره ، وما يكون كذلك لا يجوز عبادته.
__________________
(١) الأنبياء : ٢١ / ٥٧.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٤٩٤.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٤٩٤.
(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٨٥ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٩٤.
(٥) معاني الأخبار : ٢١٠ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٣.
(٦) الكافي ٢ : ٢٥٦ / ١٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٣.
(٧) الكافي ٢ : ٢٥٦ / ٢٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٤٣.