﴿هُودٌ﴾ وقيل : هو لقبه لوقاره وسكينته واسمه عابر (١) : يا قوم ﴿أَ لا تَتَّقُونَ﴾ الله في كفركم وعصيانكم له ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ﴾ من الله ﴿أَمِينٌ﴾ على وحيه ، أو مشهور عندكم بالأمانة ، فاذا سلّمتم ذلك ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوا من عقابه على الكفر به وإنكار رسالتي ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ في ما آمركم به أداء للرسالة ﴿وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ شيئا ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ ولا أتوقّع منكم مثقال ذرّة من جعل ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ وما جعلي ﴿إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ لأنّ عملي لا يكون إلّا له.
ثمّ نهاهم عن اللغو والعبث بقوله : ﴿أَتَبْنُونَ﴾ يا قوم ﴿بِكُلِّ رِيعٍ﴾ ومكان مرتفع ﴿آيَةً﴾ وعلامة ﴿تَعْبَثُونَ﴾ بها قيل : إنّهم كانوا يبنون في الأماكن الرفيعة (٢) ليعرف غناهم تفاخرا (٣) . وقيل : إنّهم كانوا يبنون بها بروج الحمام (٤) .
وعن ابن عباس : أنّهم كانوا يبنون بكلّ ريع علما يعبثون فيه بمن يمرّ في الطريق إلى هود (٥) .
﴿وَتَتَّخِذُونَ﴾ لأنفسكم ﴿مَصانِعَ﴾ وحياضا من ماء ، أو أمكنة شريفة ، أو قصورا مشيدة ، أو حصونا محصّنة ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ وبرجاء أنّكم ﴿تَخْلُدُونَ﴾ أو كأنّكم تدومون (٦) في الدنيا ولا تموتون أبدا.
عن النبي صلىاللهعليهوآله - في حديث - قال : « كل بناء يبنى فانّه وبال على صاحبه يوم القيامة إلّا ما لا بدّ منه » (٧) .
﴿وَإِذا بَطَشْتُمْ﴾ وتناولتم سيفا أو سوطا بصولة وقهر ﴿بَطَشْتُمْ﴾ وتناولتم بالقهر حال كونكم ﴿جَبَّارِينَ﴾ ظالمين وقاتلين لمن تغضبون عليه بلا رأفة ورحمة وقصد تأديب ونظر في العاقبة.
والحاصل أنّه عليهالسلام ذمّهم أولا : ببناء الأبنية الرفيعة بلا حاجة إليها ، بل لإظهار التكبّر والخيلاء ، وثانيا : بإحكام الأبنية الدالّ على طول الأمل والغفلة عن أن الدنيا دار مجاز ، وثالثا : بالظّلم على الناس وقلّة الرأفة والرحمة ، والجميع دالّ على استيلاء حبّ الدنيا عليهم حتى أخرجهم عن حدّ العبودية وادخلهم في حدّ العتو والطّغيان.
﴿فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ
وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣١) و (١٣٥)﴾
ثمّ بالغ هود في زجرهم عن حبّ الدنيا ودعائهم إلى الآخرة بقوله : ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ وخافوا عقابه على الانهماك في الشهوات ، واتركوا تلك الأعمال الشنيعة ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ في ما آمركم به من الإقبال
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٩٤.
(٢) في تفسير الرازي : المرتفعة.
(٣-٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٥٧.
(٦) في النسخة : تديمون.
(٧) مجمع البيان ٧ : ٣١٠ ، تفسير الصافي ٤ : ٤٥.