وَرُفاتاً أَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٧) و (٩٨)﴾
ثمّ نبّه سبحانه على أنّ وفور الدلائل لا يوجب الايمان إلّا مع توفيقه بقوله : ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللهُ﴾ ويوفّقه لتبعية الرسول ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ بالخصوص ﴿وَمَنْ يُضْلِلْ﴾ الله بسلب التوفيق منه ويخذله ويكله إلى نفسه ﴿فَلَنْ تَجِدَ﴾ يا محمّد ﴿لَهُمْ﴾ في الدنيا ﴿أَوْلِياءَ﴾ وأحبّاء ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى يهدونهم إلى الحقّ.
في الحديث : « إنّما أنا رسول ، وليس إليّ من الهداية شيء ، ولو كانت الهداية إليّ لآمن كلّ من في الأرض ، وإنّما إبليس مزيّن وليس له من الضلالة شيء ، ولو كانت الضلالة إليه لأضلّ كلّ من في الأرض ، ولكن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء » (١) .
ثمّ هدّد الضالين بقوله : ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ ماشين ﴿عَلى وُجُوهِهِمْ﴾ بدلا من أقدامهم.
عن أبي هريرة : أنّ رجلا قال للنبي صلىاللهعليهوآله : يا نبي الله ، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال : « إنّ الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه » (٢) .
وعن أحدهما عليهماالسلام : ﴿عَلى وُجُوهِهِمْ﴾ قال : « على جباههم » (٣) حال كونهم ﴿عُمْياً﴾ مكفوفي الأبصار ﴿وَبُكْماً﴾ خرس الألسن ﴿وَصُمًّا﴾ مسدودي الآذان ، لأنّهم غضّوا أعينهم في الدنيا عن النظر في الآيات ، وتصامموا عن استماع الحقّ والنّصح ، وأبوا عن النّطق بما فيه رضا الله.
عن ابن عباس قال : لا يرون ما يسرّهم ، ولا ينطقون بما يقبل منهم ، ولا يستمعون ما يلذّ مسامعهم (٤) .
نقل أنّ رجلا قال لابن عباس : أ ليس أنّه تعالى يقول : ﴿وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ﴾(٥) وقال : ﴿سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾(٦) وقال : ﴿دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً﴾(٧) وقال : ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها﴾(٨) وقال حكاية عن الكفار : ﴿وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾(٩) فثبت بهذه الآيات أنهم يرون ويسمعون ويتكلّمون ، فكيف قال هاهنا : عميا وبكما وصما ؟
قال ابن عباس : عميا عن النظر إلى ما جعله الله لأوليائه ، بكما عن مخاطبه الله ومخاطبة الملائكة المقربين ، صمّا عن سماع ثناء الله تعالى على أوليائه (١٠) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٠٥.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٦٠ ، مجمع البيان ٦ : ٦٨٢ ، عن أنس بن مالك.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ٨٢ / ٢٦١٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٢٤.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٠٦.
(٥) الكهف : ١٨ / ٥٣.
(٦) الفرقان : ٢٥ / ١٢.
(٧) الفرقان : ٢٥ / ١٣.
(٨) النحل : ١٦ / ١١١.
(٩) الأنعام : ٦ / ٢٣.
(١٠) تفسير الرازي ٢١ : ٦١.