وكّل بنساء بني إسرائيل نساء من القبط تحفظهنّ ، وذلك لمّا كان بلغه عن بني إسرائيل أنّهم يقولون إنّه يولد فينا رجل يقال له موسى يكون هلاك فرعون وأصحابه على يديه ، فقال فرعون عند ذلك : لأقتلنّ ذكور أولادهم حتّى لا يكون ما يريدون ، وفرّق بين الرجال والنساء ، وحبس الرجال في المحابس ، فلمّا وضعت امّ موسى بموسى نظرت إليه فحزنت واغتمّت وبكت ، وقالت : يذبح الساعة ، فعطف الله قلب الموكّلة بها عليه ، فقالت لامّه : مالك قد اصفر لونك ؟ قالت : أخاف أن يذبح ولدي ، قالت : لا تخافي ، وكان موسى لا يراه أحد إلّا أحبّه » .
إلى أن قال : « وأنزل الله على امّ موسى التابوت ، ونوديت : ضعيه ﴿فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ﴾ وهو البحر ﴿وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾(١) فوضعته في التابوت ، وأطبقت عليه ، وألقته في النيل ، وكان لفرعون قصور على شطّ النّيل متنزّهات ، فنظر من قصره - ومعه آسية امرأته - إلى سواد في النيل ترفعه الأمواج والرّياح تضربه حتى جاءت به إلى باب قصر فرعون ، فأمر فرعون بأخذه ، فاخذ التابوت ورفع إليه ، فلما فتحه وجد فيه صبيّا فقال : هذا إسرائيلي » (٢) . قيل :
كما أنجاه الله من البحر في الابتداء ، أنجاه منه في الانتهاء بغرق فرعون (٣) .
ثمّ ذكر منتّه الاخرى بقوله : ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنِّي﴾ وبقدرتي ، قد زرعتها في القلوب ، ليتعطّف عليك كلّ من نظر إليك ﴿وَلِتُصْنَعَ﴾ وتربّى حال كونك ﴿عَلى عَيْنِي﴾ وحفظي وحراستي ، أو على علمي بحالك.
روي أنّه كان على وجهه مسحة جمال ، وفي عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام : « كان موسى لا يراه أحدا إلّا أحبّه ، وهو قوله : ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ فأحّبته القبطيّة الموكلة به » إلى أن قال : « فألقى الله في قلب فرعون لموسى محبة شديدة ، وكذلك في قلب آسية ، وأراد فرعون قتله فقالت آسية : ﴿لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾(٥) أنّه موسى ، ولم يكن لفرعون ولد فقال : أن آتوا له ظئرا (٦) لتربيته ، فجاءوا بعدّة نساء قد قتل أولادهنّ فلم يشرب لبن أحد من النساء ، وهو قوله : ﴿وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾(٧) وبلغ امّه أنّ فرعون قد أخذه فحزنت وبكت كما قال الله : ﴿وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾(٨)».
قال عليهالسلام : « كادت أن تخبر بخبره أو تموت ، ثمّ حفظت نفسها ، فكانت كما قال الله : ﴿لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا
__________________
(١) القصص : ٢٨ / ٧.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٣٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٦.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٨٢.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٨٣.
(٥) القصص : ٢٨ / ٩.
(٦) الظّئر : المرضعة لغير ولدها.
(٧) القصص : ٢٨ / ١٢.
(٨) القصص : ٢٨ / ١٠.