ثمّ بيّن سبحانه أن اختلاف النفوس ناشيء عن اختلاف طيناتهم وقلوبهم المستلزمة لاختلاف نياتهم وقصورهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿كُلٌ﴾ من المؤمن والكافر ﴿يَعْمَلُ﴾ عمله ﴿عَلى شاكِلَتِهِ﴾ وسجيته وجبلته (١) التي اختلافها يلازم اختلاف النية والطريقة ، فاستعمل اللازم في الملزوم.
عن الصادق عليهالسلام : « النية أفضل من العمل ، ألا وإن النيّة هي العمل ، ثمّ تلا : ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ﴾ يعني على نيّته » (٢) .
وعنه عليهالسلام : « إنّما خلّد أهل النار في النار ، لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبدا ، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء » ثمّ تلا : ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ﴾(٣) .
وعنه عليهالسلام أنه سئل عن الصلاة في البيع والكنائس ، فقال : « صلّ فيها » قلت : اصلّي فيها وإن كانوا يصلّون فيها ؟ قال : « نعم ، أما تقرأ ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ ﴾(٤) .
ثمّ بشّر سبحانه المهتدين وهدّد الضالين بقوله : ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً﴾ وأصوب طريقا ، وبمن هو أضلّ سبيلا وأسوء منهجا ، فيجازي كلا بطريقته وسيرته ، ثمّ لمّا كان اختلاف الطينات ملازما لاختلاف الأرواح المتعلّقة بها ، حكى سبحانه سؤال الناس عن الروح بقوله : ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ﴾ جوهرة شريفة قدسية مخلوقة ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ وقدرته في عالم الملكوت ، لا مادّة لها ولا مدّة ، بل هي من الابداعيات الموجودة بصرف الإرادة المعبرة عنها بلفظ ( كن ) كسائر المجرّدات البسيطة ، ويعبّر عن عالمها بعالم الأمر والبقاء ، كما يعبّر عن عالم الماديات والأجسام بعالم الخلق والفناء ، وعليه يكون الجواب بينا ومفصلا لا إبهام فيه.
في بيان الروح وتجرده
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن الروح ، فقال : « هي من قدرته من الملكوت » (٥) .
وعنه عليهالسلام : « مثل روح المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق ، إذا أخرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به » . وقال : « إنّ الأرواح لا تمازج البدن ولا تداخله ، إنّما هي كالكلل للبدن محيطة به » (٦) .
أقول : أي متعلّقة به تعلّق التدبير والتصرّف.
__________________
(١) الجبلة : الخلقة والطبيعة.
(٢) الكافي ٢ : ١٣ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٤.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ٨٠ / ٢٦٠٠ ، الكافي ٢ : ٦٩ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٤.
(٤) تفسير العياشي ٣ : ٨٠ / ٢٥٩٩ ، من لا يحضره الفقيه ١ : ١٥٧ / ٧٣١ ، التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٤.
(٥) تفسير العياشي ٢ : ٤٢٨ / ٢٣٢٤ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٨.
(٦) بصائر الدرجات : ٤٨٣ / ١٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٠٨.