وصل إلى آدم عليهالسلام حتى أخرجه من الجنّة ، ولم يزل على ذلك حتى رفع عيسى فحجب عن أربع سماوات ، فكان بعد ذلك يصعد إلى ثلاث إلى زمان نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله ، فحجب عند ذلك عن جميع السماوات إلّا من استرق السّمع.
فسمع إبليس تجاوب الملائكة بالصلاة على أيّوب عليهالسلام ، فأدركه الحسد ، فصعد سريعا حتى وقف من السّماء موقفا كان يقفه ، فقال : يا ربّ ، إنّك أنعمت على عبدك أيّوب فشكرك ، وعافيته فحمدك ، وأنت لم تجرّبه بشدّة ولا بلاء ، وأنّا لك زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرنّ بك.
فقال الله تعالى : إنطلق فقد سلطّتك على ماله ، فانقضّ الملعون حتى وقع على الأرض ، وجمع عفاريت الشياطين ، وقال : ماذا عندكم من القوّة ، فإنّي سلّطت على مال أيوب ؟ فقال عفريت : اعطيت من القوّة ما إذا شئت تحوّلت إعصارا من نار فأحرقت كلّ شيء آتي عليه. فقال إبليس : فأت الإبل ورعاءها. فذهب ولم يشعر الناس حتى ثار من تحت الأرض إعصار من نار لا يدنو منها شيء إلّا اخترق ، فلم يزل يحرقها ورعاءها حتى أتى على آخرها.
فذهب إبليس على شكل بعض اولئك الرعاة إلى أيّوب عليهالسلام ، فوجده قائما يصلّي ، فلمّا فرغ من صلاته قال : يا أيّوب ، هل تدري ما صنع ربّك الذي اخترته بإبلك ورعائها ؟
فقال أيّوب : إنّها ماله أعارنيه ، وهو أولى به إذا شاء نزعه.
قال إبليس : إنّ ربّك أرسل عليها نارا من السماء فاحترقت ورعاؤها كلّها ، وتركت الناس مبهوتين متعجّبين منها ، فمن قائل يقول : ما كان أيّوب يعبد شيئا ، وما كان إلّا في غرور. ومن قائل يقول : لو كان إله أيّوب يقدر على شيء لمنع من وليّه ، ومن قائل آخر يقول : بل هو الذي فعل ما فعل ليشمت عدوّه به ، ويفجع صديقه به.
فقال أيّوب : الحمد لله حين أعطاني وحين نزع منّي ، خرجت من بطن امّي عريانا ، وأحشر إلى الله تعالى عريانا ، ولو علم الله تعالى فيك خيرا أيّها العبد لنقل روحك مع تلك الأرواح ، وصرت شهيدا وآجرني فيك ، ولكنّ الله علم فيك شرّا فأخّرك.
فرجع إبليس إلى أصحابه خاسئا ، فقال عفريت آخر : عندي من القوّة ما إذا شئت صحت صيحة لا يسمعها ذو روح إلّا خرجت روحه. فقال إبليس : فأت الغنم ورعاءها ، فانطلق فصاح بها ، فماتت ومات رعاؤها ، فخرج إبليس متمثّلا بقهرمان الرعاة إلى أيّوب عليهالسلام ، فقال له القول الأوّل ، وردّ عليه أيّوب عليهالسلام الجواب الاوّل.
فرجع إبليس صاغرا ، فقال عفريت آخر : عندي من القوّة ما إذا شئت تحوّلت ريحا عاصفة أقلع كلّ