شيء أتيت عليه قال : فاذهب إلى الحرث والثّيران ، فأتاها وأهلكها ، ثمّ رجع إبليس متمثّلا حتى جاء أيّوب عليهالسلام وهو يصلّي ، فقال مثل القول الأوّل ، فردّ عليه أيّوب عليهالسلام مثل الردّ الأوّل.
فجعل إبليس يصيب أمواله شيئا فشيئا ، حتى أتى على جميعها ، فلمّا رأى إبليس صبره على ذلك ، وقف الموقف الذي كان يقفه عند الله ، وقال : يا إلهي ، هل أنت مسلّطي على ولده ، فإنّها الفتنة المضلّة ؟ فقال الله تعالى : إنطلق فقد سلّطتك على ولده.
فأتى أولاد أيّوب في قصرهم ، فلم يزل يزلزله من قواعده حتى قلب القصر عليهم ، ثمّ جاء إلى أيّوب عليهالسلام متمثّلا بالمعلّم وهو جريح مشدوخ (١) الرأس يسيل دمه ودماغه ، فقال : لو رأيت بنيك كيف انقلبوا منكوسين على رؤسهم تسيل أدمغتهم من أنوفهم لتقطّع قلبك. فلم يزل يقول هذا ويرقّقه حتى رقّ أيّوب عليهالسلام وبكى ، وقبض قبضة من التراب ووضعها على رأسه ، فاغتنم ذلك إبليس ، ثمّ لم يلبث أيّوب عليهالسلام حتى استغفر واسترجع ، ثمّ صعد إبليس حتى وقف موقفه وقال : يا إلهي ، إنّما يهون خطر المال والولد على أيّوب لعلمه أنّك تعيدهما له ، فهل أنت مسلّطي على جسده ، وإنّي لك زعيم لوابتليته في جسده ليكفرنّ بك. فقال الله تعالى : إنطلق فقد سلّطتك على جسده ، وليس لك سلطان على عقله وقلبه ولسانه.
فانقضّ عدوّ الله سريعا ، فوجد أيّوب عليهالسلام ساجدا لله تعالى ، فأتاه من قبل الأرض فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، وخرج به من قرنه إلى قدمه ثآليل ، ووقعت فيه حكّة لا يملكها ، وكان يحكّ بأظفاره حتى سقطت أظفاره ، ثمّ حكّها بالمسوح الخشنة ، ثمّ حكّها بالفخّار والحجارة ولم يزل يحكّها حتى تقطّع لحمه وتغبّر ونتن ، فأخرجه أهل القرية ، وجعلوه على كناسة ، وجعلوا له عريشا ، ورفضه الناس كلّهم غير امرأته [ فكانت ] تصلح أموره.
ثمّ أطال وهب في الحكاية إلى أن قال : إنّ أيّوب عليهالسلام أقبل على الله مستغيثا متضرّعا إليه ، فقال : يا ربّ ، لأيّ شيء خلقتني ؟ يا ليتني كنت حيضة ألقتني امّي ، ويا ليتني عرفت الذّنب الذي أذنبته والعمل الذي عملته حتى صرفت وجهك الكريم عنّي ؟ ألم أكن للغريب دارا ، وللمسكين قرارا ، ولليتيم وليّا ، وللأرامل قيّما ؟
إلهي ، أنا عبدك الذّليل إن أحسنت إليّ فالمنّ لك ، وإن أسأت فبيدك عقوبتي ، جعلتني للبلاء غرضا ، وللفتنه نصبا ، سلّطت عليّ ما لو سلّطته على جبل لضعف من حمله.
إلهي ، تقطّعت أصابعي ، وتساقطت لهواتي ، وتناثر شعري ، وذهب مالي ، وصرت أسأل اللّقمة
__________________
(١) في النسخة : مخدوش.