عليّ عليهالسلام من الصّعود عليه.
والحاصل أنّه كما أظهر هارون الحقّ مرّة مع إشراك أغلب بني إسرائيل بالشّرك الجليّ ، أظهر عليّ عليهالسلام حقّه في المحافل الكثيرة ، وأعلن بافتتان الامّة مرّات عديدة إلى أن استشهد كما تشهد بذلك احتجاجاته المرويّة بالتّضافر (١) ، وخطبته الشّقشقية التي أذعن ابن أبي الحديد بصحتها (٢) ، مع إشراك هذه الامّة بالشّرك الخفيّ.
وكما لم يقاتل هارون قومه مع كثرة أنصاره ، بل اكتفى بالنّصح والموعظة ، كذلك لم يقاتل عليّ عليهالسلام أهل المدينة لقلّة أنصاره ، بل لكون الرّوم مع كمال قوّته وعظمته بصدد إذهاب الإسلام بعد غزوة مؤتة وتبوك.
ولذا كان النبي صلىاللهعليهوآله في مرض موته مصرّا على بعث اسامة وجيشه إلى تبوك خوفا من تهاجم عسكر الرّوم على أرض المسلمين إن بلغهم خبر موته صلىاللهعليهوآله ، فلو وقعت المقاتلة بعد النبي صلىاللهعليهوآله بين المسلمين ما كان يبقى من الإسلام أثر على وجه الأرض ، ولذا اعتذر أمير المؤمنين عليهالسلام إلى فاطمة عليهاالسلام حين شكت إليه غصب فدك من عدم معارضة الغاصبين ومقاتلتهم بأنّه لو قاتلهم لم يبق اسم الرّسول في وجه الأرض (٣) .
وقال في الخطبة الشّقشقيّة : « فطفقت (٤) أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يشيب فيها الصّغير ، ويهرم فيها الكبير ، ويكدح فيها مؤمن ، حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصّبر [ على هاتا ] أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى » (٥) .
وممّا يدلّ على إظهار عليّ عليهالسلام حقّه ، ومخالفته للأوّلين ، ولجمع من الامّة في الخلافة ، ما رواه هذا
__________________
(١) احتج عليهالسلام على أبي بكر في أمر البيعة في مناسبات عدة ، كما ناشد أهل الشورى واجتج عليهم بجملة فضائله وبين حقه في الخلافة ، راجع : بحار الأنوار ٢٩ : ٣ - ٦٧ و٧٧ - ٧٩ ، ترجمة الامام عليّ عليهالسلام من تاريخ دمشق ٣ : ١١٣ ، المناقب للخوارزمي : ٢٢١ - ٢٢٤ ، مناقب ابن المغازلي : ١١٢ ، الاستيعاب ٣ : ٣٥. وفي خلافته عليهالسلام جمع الناس في رحبة الكوفة واستشهدهم على حديث الغدير الذي هو نص على خلافته ، فشهد أثنا عشر بدريا ، راجع مسند أحمد ١ : ٨٨ ، ١١٨ / ١١٩ ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٨٥ / ٩٩١ و٩٩٢ و: ٦٨٢ / ١١٦٧ ، اسد الغابة ٢ : ٢٣٣ و٣ : ٩٣ و٤ : ٢٨ ، خصائص النسائي : ٢٢ - ٢٥ ، الاصابة ٤ : ١٨٢ / ٥١٨٩ ( ترجمة عبد الرحمن بن مدلج ) ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٤ - ١٠٥.
(٢) نقل ابن أبي الحديد شيخة أبى الخير الواسطي أنه قرأ الخطبة الشقشقية على ابن الخشاب ، وذكر ابن الخشاب أنها من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام وأنه وقف عليها في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة وأنها كتبت بخطوط لعلماء كانوا قبل أن يخلق النقيب والد الرضي ، راجع شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠٥ ، مصادر نهج البلاغة - عبد الزهراء الخطيب ١ : ٣١٥.
(٣) راجع : شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٣٢٦ / ٧٣٥.
(٤) في النسخة : فجعلت.
(٥) نهج البلاغة : ٤٨ الخطبة ٣.