في ما في الأرض ، لكونها حال الطيران بين السماء والأرض ، و﴿كُلٌ﴾ من الأشياء المذكورة مع تنزيهه التكويني ودلالة كمال نقصه على كمال خالقه ﴿قَدْ عَلِمَ﴾ بإلهام الله ﴿صَلاتَهُ﴾ وابتهاله إلى الله في حاجته واستفاضته من فضله ﴿وَتَسْبِيحَهُ﴾ وتنزيهه الاختيارى خالقه.
عن الصادق عليهالسلام : « ما من طير يصاد في برّ أو بحر ، ولا يصاد شيء من الوحش إلّا بتضييعه التسبيح » (١) .
وروى بعض العامّة عن أبي ثابت ، قال : كنت جالسا عند أبي جعفر (٢) الباقر عليهالسلام ، فقال لي : أتدري ما تقول هذه العصافير عند طلوع الشمس وبعد طلوعها ؟ قلت : لا. قال : « إنّهن يقدّسن ربّهن ويسألنه قوت يومهن » (٣) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّ لله ملكا في صورة الدّيك الأملح الأشهب ، براثنه (٤) في الأرض السابعة ، وعرفه تحت العرش ، له جناحان : جناح بالمشرق ، وجناح بالمغرب ، فأمّا الجناح الذي في المشرق فمن ثلج ، والجناح الذي في المغرب فمن نار ، فكلّما حضر وقت الصلاه قام [ الديك ] على براثنه ، ورفع عرفه تحت العرش ، ثمّ أمال أحد جناحيه إلى الآخر يصفّق بهما كما يصفّق الديك في منازلكم ، فلا الذي من الثلج يطفئ النار ، ولا الذي من النار يذيب الثلج ، ثمّ ينادي بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيّين ، وأن وصيه خير الوصيّين سبّوح قدّوس رب الملائكة والرّوح. فلا يبقى في الأرض ديك إلّا أجابه ، وذلك قوله عزوجل : ﴿وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾(٥) .
قيل : إنّا نشاهد أنّ الله تعالى ألهم الطيور والحشرات أعمالا لطيفة ، يعجز عنها أكثر العقلاء ، فلم لا يجوز أن يلهمها معرفته ودعاءه وتسبيحه ؟ (٦)
وقال آخر : إنّ الله خلق الخلق ليسبّحوه ، فأنطقهم بالتسبيح له والثناء عليه والسجود له ، وأشهد نبيّه (٧) ذلك وأراه ، ولذا قال مخاطبا لنبيه : ﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ﴾ إلى آخره ، ولم يقل : ألم تروا ، لأنّا ما رأيناه فهو لنا إيمان ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله عيان (٨) .
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٠٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٣٩.
(٢) في النسخة : جعفر بن محمّد ، وفي تفسير الرازي : محمد بن جعفر.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠ ، تفسير روح البيان ٦ : ١٦٤.
(٤) البراثن : جمع برثن : وهو مخلب الطائر الجارح.
(٥) تفسير القمي ٢ : ١٠٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٣٩.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ١١.
(٧) في تفسير الصافي : والسجود له فقال : أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ ... الآية ، وخاطب بهاتين الآيتين نبيّه الذي اشهده.
(٨) تفسير الصافي ٣ : ٤٣٩.