قيل : إنّ أناسا كانوا يقولون : إنّ محمدا صلىاللهعليهوآله لا يموت ، فنزلت (١) .
وقيل : كانوا يقدّرون أنّه صلىاللهعليهوآله سيموت فيشمتون (٢) بموته ، فنفى الله عنه الشّماتة وبيّن أن حاله كحال الأنبياء قبله وحال سائر البشر ، والمعنى : أفإن متّ فهم الخالدون حتى يشمتوا بموتك ؟ ! (٣)
وقيل : إنّها نزلت حين قال : المشركون : ﴿نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ﴾(٤) .
ثمّ أكّد سبحانه عموم الموت لكلّ أحد بقوله : ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس نبيّا كان أو وليّا ، أو مؤمنا أو كافرا ﴿ذائِقَةُ﴾ وطاعمة طعم ﴿الْمَوْتِ﴾ وإنّما تكون حكمة تعيّشكم وحياتكم في الدنيا أن نختبركم ﴿وَنَبْلُوكُمْ﴾ في مدّة حياتكم ﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ﴾ والبلايا والنّعم ﴿فِتْنَةً﴾ وامتحانا ليتميّز الصابر والشاكر من غيرهما ﴿وَإِلَيْنا﴾ بعد الموت ﴿تُرْجَعُونَ﴾ لجزاء ما اختبرتم به من الأخلاق والأعمال.
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام مرض فعاده إخوانه ، فقالوا : كيف نجدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : بشرّ ، قالوا : ما هذا كلام مثلك ! قال : إنّ الله تعالى يقول : ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ فالخير : الصحّة والغنى ، والشرّ : المرض والفقر » (٥) .
فحاصل الآية أنّ الغرض من حياة الدنيا الابتلاء ، والتعريض للثواب والعقاب ، وأنّ القول بنفي البعث والمعاد باطل مخالف للحكمة في خلق الإنسان.
ثمّ حكى سبحانه استهزاء المشركين بالنبيّ صلىاللهعليهوآله لقوله بالتوحيد وذمّه الأصنام بقوله : ﴿وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بتوحيد الله ﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ﴾ ولا يفعلون بك ﴿إِلَّا هُزُواً﴾ وسخريّة لادّعائك النبوّة ودعوتك إلى التوحيد وذمك الأصنام ، ويقول بعضهم لبعض استهزاء : ﴿أَ هذَا﴾ الرجل الوحيد الفقير هو ﴿الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ بالسّوء ﴿وَهُمْ﴾ أحقّاء بالاستهزاء والتّعييب ، لأنّهم ﴿بِذِكْرِ الرَّحْمنِ﴾ المنعم على عامّة الموجودات ﴿هُمْ كافِرُونَ﴾ ولحقوقه وصفاته الكماليّة من التوحيد والقدرة والغناء عمّا سواه منكرون.
قيل : نزلت الآية في أبي جهل ، مرّ به النبيّ صلىاللهعليهوآله وهو مع أبي سفيان ، فقال لأبي سفيان : هذا نبيّ بني عبد مناف ؟ ! فقال أبو سفيان : ما تنكر أن يكون نبيّا في بني عبد مناف ، فسمع النبيّ صلىاللهعليهوآله قولهما ، فقال لأبي جهل : « ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمّك الوليد بن المغيرة ، وأمّا أنت يا أبا سفيان فإنّما
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٩.
(٢) في النسخة : فيشمتونه.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٦٩.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٤٧٥ ، والآية من سورة الطور : ٥٢ / ٣٠.
(٥) مجمع البيان ٧ : ٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٩.