لِعِبادِي﴾ المؤمنين الذين يجادلون المشركين ﴿يَقُولُوا﴾ عند محاورتهم معهم الكلمة ﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ الكلم ولا يخاشنونهم في القول ، ولا يخلطون حجّتهم بالشّتم والسّبّ.
ثمّ نبّه سبحانه على فائدة تحسين الكلام بقوله : ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ﴾ ويثير الفتن ﴿بَيْنَهُمْ﴾ وبين المشركين ، ويغري بعضهم على بعض ، وتشتدّ العداوة بينهم ، ويزداد الغضب والتنافر فيهم ، فيمتنع حصول المقصود ، وهو هدايتهم ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ﴾ من بدو خلقتهم ﴿عَدُوًّا مُبِيناً﴾ في عداواته ، ومبغضا متجاهرا ببغضه.
ثمّ علّم سبحانه المؤمنين تحسين الكلام مع المشركين بقوله : ﴿رَبُّكُمْ﴾ أيّها المشركون ﴿أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ وأخبر بعقائدكم وأعمالكم ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ الرحمة عليكم بالتوفيق للايمان والعمل الصالح ﴿يَرْحَمْكُمْ﴾ بلا مزاحم ولا رادّ ﴿أَوْ إِنْ يَشَأْ﴾ تعذيبكم باماتتكم على الكفر يميتكم و﴿يُعَذِّبْكُمْ﴾ بلا عجز ولا دافع ، ولا تصرّحوا لهم بأنّكم أهل النار ، فانّه يهيجهم على الشرّ مع أنّه لا يعلم عاقبة أحد إلّا الله ﴿وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ نكل إليك امورهم من الرحمة والتعذيب ، فتجبرهم على الايمان ، وإنّما أرسلناك بشيرا ونذيرا ، فدارهم ومر أصحابك بالمداراة وترك المخاصمة.
عنه صلىاللهعليهوآله : « أنّ الله أمرني بمداراة الناس ، كما أمرني باقامة الفرائض » (١) .
وقيل : إنّ المراد من العباد في الآية الكفّار ، عبّر عنهم به جذبا لقلوبهم وميلا لطباعهم إلى دين الاسلام (٢) ، والمعنى : قل - يا محمّد - للذين يقرّون بكونهم عبادا لي يعتقدوا بالعقائد التي هي أحسن من التوحيد والمعاد ، ولا يصرّوا على العقائد الباطلة ، فانّ الشيطان يحملهم على التعصّب ، والشيطان عدوّ لهم ، فلا ينبغي أن يلتفتوا إلى قوله وتسويلاته ، وقل لهم : ربّكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم بأن يوفقكم للايمان والهداية ، وإن يشأ يميتكم على الكفر ، وأنتم لا تطّلعون على تلك المشيئة ، فاجتهدوا أنتم في طلب الحقّ ، ولا تقيموا على الباطل ، لئلا تحرموا من السعادات الأبدية ، ثمّ قال : ﴿وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ حتّى تشدّد عليهم وتغلظ لهم في القول ، فانّ اللّين والرّفق آثر في قلوبهم ، وأفيد في حصول المقصود من هدايتهم.
ثمّ أنّه تعالى بعد قوله : ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ بيّن سعة علمه ، وعدم قصره بأحوال المشركين ، بل محيط بأحوال جميع أهل العالم بقوله : ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وأحوالهم وخصالهم وما يليق بكلّ واحد منهم ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ﴾ كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى بالكتاب والشرع وعموم الرسالة وكثرة المعجزات ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ آخر لعلمنا بتفاوت مراتبهم في
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ١٧٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٢٩.