الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٣) و (٦٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه طريق نجاته ونجاة أصحابه وإهلاك أعدائه بقوله : ﴿فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى﴾ عند انتهائه وانتهاء أصحابه إلى بحر القلزم الذي كان بين اليمن ومكّة ، أو إلى النّيل الذي كان بين أيلة ومصر ﴿أَنِ اضْرِبْ﴾ يا موسى ﴿بِعَصاكَ الْبَحْرَ﴾ فضربه ﴿فَانْفَلَقَ﴾ البحر ، وانشقّ الماء ، وانفرق اثني عشر فرقا بعدد الأسباط ﴿فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ﴾ وقطعة ماء مجتمع بعضه فوق بعض ﴿كَالطَّوْدِ﴾ والجبل المتطاول ﴿الْعَظِيمِ.﴾
عن ابن عباس : لمّا انتهى موسى مع بني إسرائيل إلى البحر ، أمرهم أن يخوضوا البحر فامتنعوا إلّا يوشع بن نون ، فانّه ضرب دابّته وخاض في البحر حتى عبر ، ثمّ رجع إليهم فأبوا أن يخوضوا ، فقال موسى عليهالسلام للبحر : انفرق لى. فقال : ما امرت بذلك ، ولا يعبر عليّ العصاة. قال موسى عليهالسلام : يا ربّ ، قد أبى البحر أن ينفرق. فقيل له : اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفرق ، فكان كلّ فرق كالطّود العظيم ، أي كالجبل العظيم ، وصار فيه اثنى عشر طريقا ، لكلّ سبط منهم طريق ، فقال كلّ سبط : قتل أصحابنا ، فعند ذلك دعا موسى عليهالسلام ربّه ، فجعلها مناظر كهيئة الطبقات ، حتى نظر بعضهم إلى بعض على أرض يابسة (١) .
روي أنّ جبرئيل عليهالسلام كان بين بني إسرائيل وبين آل فرعون ، وكان يقول لبني إسرائيل : ليلحق آخركم بأولّكم ، ويستقبل القبط فيقول : رويدكم ليحلق آخركم (٢) .
وعن عبد الله بن سلام : لمّا انتهى موسى ٧ إلى البحر ، قال : « يا من كان قبل كلّ شيء ، والمكّون لكل شيء ، والكائن بعد كلّ شيء ، اجعل لنا فرجا ومخرجا » (٣) .
وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ألا أعلّمك الكلمات التي قالهنّ موسى حين انفلق البحر ؟ » قلت : بلى قال : « قل اللهمّ لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وبك المستغاث ، وأنت المستعان ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله » (٤) .
قيل : لمّا انفلق البحر أرسل الله ريحا فجف بها قعر البحر ، ثمّ دخل بنو إسرائيل في شعاب جبل الماء ومسالك البحر (٥) .
﴿وَأَزْلَفْنا﴾ وقرّبنا من بني إسرائيل ﴿ثَمَ﴾ وفي المكان الذي انفلق البحر ، القوم ﴿الْآخَرِينَ﴾ وهم فرعون وجنوده حتى دخلوا على إثرهم مداخلهم. وقيل : يعني قرّبنا بعض قوم فرعون من بعضهم
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٣٩.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٩.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٩.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٢٧٩.